×
محافظة المنطقة الشرقية

البلوي مديراً تنفيذياً في «موبايلي»

صورة الخبر

الهم الأكبر الذي يعتصر الحالة الذهنية في العالم العربي هذه الأيام، هو الصراع الهائل بين أهل التفكير وأهل التكفير. فأما أهل التكفير، فقد قتل الموضوع بحثا، وإن كان لا يزال يتطلب المزيد من البحث والجرأة، لأن خطاب التكفير ما زال بألف خير (!) يغرد ويحلق في كل مكان، وبالتالي يبقى القلق قائما على مساحة وحرية التفكير المسموح فيه للتفكير، وهذه مسألة كانت تلفت نظري من خلال ملاحظة أي اجتماعات أو ندوات أو لقاءات تتم، وذلك بغض النظر عن المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، للمشاركين فيها. ومن الممكن مشاهدة «عينات» من المقصود لدى متابعة البرامج الحوارية والسجالات الموجودة على ساحة التواصل الاجتماعي التي لا يمكن إلا أن تكون ساحات حرب كلامية لا يخلو منها كل وسائل السب واللعن والإهانة والتجريم والتكفير والتخوين، وكذلك مشاهدة الأحاديث المتبادلة بين الركاب في وسائل المواصلات العامة والجلسات لحل مشاكل العمل والمشاجرات بالشوارع والطرقات. هناك خلل واضح في طريقة التفكير ولا شك وهي التي تمنع وتعيق العامة من التواصل إلى الحلول والتفاعل مع المشكلة أيا كانت؛ لأن الطابع الطاغي للتعاطي مع أي تحد ومشكلة هو عن طريق فكرة ومبدأ «إن لم تكن معنا فأنت ضدنا»، وبالتالي يبدو سؤال: إلى متى تظل مقولة «الخلاف لا يفسد للود قضية» مجرد شعار أجوف لا يتعدى أثره طرف اللسان. أين بالتالي «الموضوعية» التي تم استبدال «الشخصية» و«الذاتية» بدلا منها؟ أصبحت العشوائية هي الطاغية بدلا من التأني والتخطيط، وكانت العشوائية سيدة الموقف في كل شيء.. في العمل والحديث والرؤية والتعايش والنقاش في كل شيء. هناك عدد هائل من المفكرين في التراث الغربي مثل كانط وهيغل ونيتشه وديكارت وأرسطو الذين مجدوا كثيرا أهمية «النقد» و«المنطق» والتفكير، ولعل من المعاصرين من كرس الكثير لتطوير «مهارات» التفكير مثل إدوارد ديبونو، وهناك من آمن بأهمية هذا الشيء دوليا في دولة كفنزويلا التي قامت باستحداث وزارة كاملة في حكومتها سمتها وزارة الذكاء تكون مهمتها تبني أفكار التفكير للعالم الكبير ديبونو ونشرها بين المواطنين في البلاد صغارا وكبارا، وتحول ذلك الأمر إلى مادة أساسية تدرس في المدارس الفنزويلية لها اسم «التفكير» بهدف تنمية الأجيال القادمة. ومن الممكن تقدير هذا التوجه وإدراك أهمية العناية بمفهوم التفكير كعنصر تفوق وتميز وتألق في عالم متغير وفي ظل عصر العولمة العنيف والمهم الذي نعيش فيه وزوال الحدود وانفتاح الأسواق على مصراعيها، مما يجعل دوما الفكرة الجديدة هي العنصر المميز والسهم الرابح، وبالتالي تكون في صلب القدرة التنافسية بين كافة دول العالم. لن يكون هناك سلاح حقيقي لمواجهة التكفير إلا بإطلاق حرية التفكير، فنحن مأمورون بذلك في ديننا الحنيف وهناك الكثير من الإشارات في ذلك بالقرآن الكريم في مواقع مختلفة بصريح العبارة تذكرنا بضرورة التفكر والتدبر والتأمل، وقد انتبه لذلك الأمر علماء فطاحل من المسلمين مثل أبو حنيفة وابن خلدون وابن رشد والكندي وابن سينا وابن الهيثم وغيرهم، ولكنهم حجموا كثيرا في الإرث الديني لصالح آراء أخرى أكثر تضييقا، ويكفي أن هناك رأيا لقامة عظيمة مثل الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أحد أهم أئمة المذهب السني الذي قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، وفيه رؤية شمولية لأهمية التفكير وحرية الرأي والإتيان بالحجة الصحيحة. المسألة مخيفة ومرعبة في حجم الهوة الموجودة اليوم بين أباطرة قوى التكفير الظلاميين وحيز الحراك المسموح لأهل التفكير، وهذه من أهم أسباب الكارثة التي نعيشها اليوم.