صخب شوروي عاشه مجلس الشورى أمس، خلال نقاشاته حيال تمكين موظفي الحكومة من الاشتغال بالتجارة، بتعديل المادة الـ13 من نظام الخدمة المدنية. وفيما كان معارضو التوجه الأقوى حجة، إلا أن المؤيدين وبواقع 60 من الأصوات كانوا أصحاب الكعب الأعلى، في تصويت إجرائي يمهد لدرس المقترح والعودة به من جديد. لكن المفاجأة كانت ما ورد على لسان العضو اللواء طيار حمد الحسون، الذي اعترف أمام زملائه بأنه مارس التستر التجاري قبل تقاعده، فيما لم يخف اعتقاده بأن كثيرا ممن هم تحت القبة خاضوا هذه التجربة. وعلى الرغم من خطورة الاتهام إلا أن رئيس المجلس الدكتور عبدالله آل الشيخ لم يبد ردة فعل، فيما جاء الرد الوحيد على لسان عضو المجلس نواف الفغم الذي قال "أنا ما عندي بزنس أنا حيادي". بعد شد وجذب، وتأييد ومعارضة، استطاع 60 من أعضاء مجلس الشورى أن يرجحوا كفة مقترح زميلهم الدكتور أحمد الزيلعي، وذلك بتوصيتهم على ملاءمة درس تعديل المادة الـ13 من نظام الخدمة المدنية بما يمكن موظفي الحكومة من الاشتغال بالتجارة أو تأسيس الشركات. وعلى الرغم من الصخب البرلماني الذي رافق تلك النقاشات، إلا أن المفاجأة الأكبر جاءت على لسان العضو اللواء طيار حمد الحسون الذي أقر أمام رئاسة المجلس وزملائه الأعضاء بأنه سبق له أن مارس التستر التجاري وقال "كثر ممن هم في القاعة الآن سبق وأن تستر تجاريا كذلك". وعلى الرغم من أن مداخلة الحسون تحمل اتهاما لأعضاء المجلس بممارسة مخالفة مجرمة وفقا للقوانين المحلية، إلا أنها لم تجد اعتراضا لا من رئاسة المجلس ولا من الأعضاء، عدا العضو نواف الفغم الذي طلب المداخلة وقال في بدايتها "أنا ما عندي بزنس أنا حيادي". وكان ملاحظا، أن أكثر المعترضين على مبدأ إتاحة الفرصة أمام موظفي الدولة لممارسة التجارة، كانوا ممن يحملون شهادة الدكتوراه، ومن أصحاب الخلفيات الاقتصادية، فيما حملت قائمة المؤيدين، اسمين لضابطين متقاعدين، وكلاهما طياران. لجنة الإدارة والموارد البشرية التي جاءت إلى مجلس الشورى برأي مؤيد لمقترح دراسة تعديل المادة الـ13 من نظام الخدمة المدنية، ربطت إتاحة الفرصة لموظفي الحكومة بممارسة التجارة بشرطين أساسين: الأول، ألا تؤثر تجارته على عمله وحياديته ودوامه الرسمي، والثاني: ألا يتعامل مع الحكومة في أية مشاريع، فيما رأت اللجنة أن من شأن هذا المقترح أن يقضي على ظاهرة التستر التجاري، ويعطي دفعة مناسبة لسعودة قطاع التجزئة. أول المعارضين، كان العضو الدكتور صدقة فاضل، إذ انطلق في معارضته من أن أداء الموظف الحكومي متدن لدرجة تثير الاستغراب والاستياء في آن واحد، مبررا ذلك بقوله "ما يتطلب إنجازه دقيقة قد ينجز في أيام لدى موظفي الحكومة، وقد لا ينجز إطلاقا"، فيما لم يفته أن ينتقد بيئة العمل الحكومي التي جعلت من مراجعة الدوائر الحكومية "أمرا ثقيلا على النفوس" على حد تعبيره، مؤكدا في ختام مداخلته أن السماح لموظفي الحكومة بالتجارة سيؤدي إلى المزيد من التسيب والإهمال في العمل الحكومي، وأنه لا حاجة منطقية لمثل ذلك التوجه. أما اللواء الطيار عبدالله السعدون، فسجل رأيا داعما لمقترح تمكين موظفي الحكومة من الاشتغال بالتجارة، إذ قال إنه قد يمهد لخروج أولئك الموظفين لخوض تجربة العمل في القطاع الخاص وترك أماكنهم لمن ينتظرون الوظائف، مشددا على أهمية هذا المقترح في ظل اختطاف الوافدين للسوق السعودي. العضو أسامة قباني، ذهب في سياق معارضته لهذا التوجه، إلى أن السماح لموظفي الحكومة بممارسة التجارة يتنافى مع مبدأ الحيادية في العمل الحكومي ومع قواعد النزاهة. بدوره، قال عضو مجلس الشورى عبدالرحمن الهيجان، إن تداخل القطاعين الحكومي والخاص، إخلال في المصالح المتعارضة، مؤكدا أن تعديل نظام الخدمة المدنية ليس بكاف لتمكين موظفي الحكومة من العمل في التجارة، لأن ذلك يتطلب تعديل نظام الشركات. أما عضو المجلس عبدالعزيز العطيشان، فأكد أهمية تعديل نظام الخدمة المدنية لتمكين الموظفين من التجارة، وقال إن التوصية لها أبعاد اجتماعية واقتصادية هامة. ومقابل ما أثاره الزملاء من احتمالية تأثر حيادية الوظيفة الحكومية بالتجارة، وقال "الأمين سيبقى أمينا والشريف سيبقى شريفا والخائن سيبقى خائنا والتقي سيبقى تقيا". ولعل أهم المداخلات التي طرحت أمس، جاءت على لسان عضو المجلس الدكتور عبدالله الناصر الذي طالب بحل وسط، يتيح السماح لأصحاب الدخول المحدودة وتحديدا ممن تقل وظائفهم عن المرتبة العاشرة، بممارسة التجارة، وحظر ذلك على من هم أعلى من تلك المرتبة. عضو: المقترح ما ينبلع.. والرئيس: تشطب المداخلة "أدعو المجلس أن يربأ بنفسه عن الموافقة على هذا المقترح"، هذه الدعوة التي جاءت على لسان عضو المجلس الدكتور خضر القرشي في سياق معارضته لمقترح زميله الزيلعي الخاص بدرس تمكين موظفي الحكومة من ممارسة التجارة، كانت محل اعتراض من رئيس المؤسسة البرلمانية الدكتور عبدالله آل الشيخ الذي طلب شطب ما جاء على لسان القرشي من مضبطة الجلسة، وقال آل الشيخ في سياق مداخلته على كلام القرشي "للمجلس حق في نقاش كل الأمور المتاحة ما دامت وفق النظام.. وأرجو شطب مصطلح أربأ لأن المجلس يمارس دوره". وكان القرشي قال في مداخلته "لا أتخيل أن موظفا في الحكومة يعمل في التجارة، هذا أمر ما ينبلع"، محذرا من مغبة إقرار مثل هذا المبدأ لخطورته، على حد قوله. اللواء علي التميمي، شارك زميله القرشي مخاوفه، وقال "حينما يتفرغ رجال أمننا من مطاردة المجرمين لمطاردة أعمالهم، كيف سيكون أمننا وقتها؟".