في بعض الظروف الاجتماعية تبزغ شخصيات تتمتع بقوة حكمة وجرأة فريدة، وتكون قادرة على كسر قاعدة أو عرف اجتماعي معين، وهي في فعلها لذلك تكون في بداية أمرها محط استهجان واستنكار من قبل محيطها القرابي والاجتماعي، على سبيل المثال، من عدة سنوات لم يكن لائقا اجتماعيا تزويج الفتاة الصغرى قبل أختها الكبرى تحت أي عذر، حتى أن بعض الأسر تسببت في عنوسة بناتها والإضرار بهن تحت الانقياد الأعمى لهذه العادة الاجتماعية، ولم يكن من السهل تغيير هذا السلوك الاجتماعي إلا بشخصيات ملهمة، تجاوزت هذه العادة وتلقت سهام النقد والاستنكار ابتداء ثم أصبح سلوكها قدوة يحتذى به في النهاية.. ليس من السهل تغيير العادات والأعراف الاجتماعية في أي مجتمع إنساني، حتى لو كان بعض منها يمارس قهرا نفسيا ويفرض هيمنة غير مقبولة منطقيا على أفراده. لقد دعاني للتأمل في بعض العادات الاجتماعية، أن بعضها يمارس في يومياتنا إزعاجا أو عبئا نفسيا بدون تحقيق فائدة مرجوة، ونحن ننقاد له لمجرد أنه أصبح عادة اجتماعية فقط، والمشكلة أن كسر الروتين في هذا النوع من العادات ليس سهلا كما في عادات الزواج رغم تعقدها. فمثلا عادات التقبيل المصاحبة لتحية السلام، من يستطيع تغييرها، وكيف؟ فمعظمنا يعرف أنها على المستوى الصحي تمثل خطرا في انتقال العدوى لبعض الأمراض الموسمية كالإنفلونزا وغيرها، خاصة عندما تكون المصافحة والتقبيل لعدد كبير من الأشخاص في مكان مغلق وقليل التهوية. إن هذه العادة الاجتماعية تمثل إزعاجا نفسيا خاصة في المناسبات الاجتماعية التي تضم عددا كبيرا من الأقارب كالأعياد والأفراح بل والأتراح أيضا كما في مناسبات العزاء لأهل المتوفى. فوقت كبير من المناسبة يمضي في المصافحة والتقبيل، والأسوأ ثم الأسوأ عندما تدخل في مناسبة اجتماعية يكون عرف التوديع في أهلها يحمل ذات الطقوس، فأنت تصافح وتقبل في بداية المناسبة ثم تعود لذات الأمر في نهايتها. فهل من بطل بيننا يستطيع تنظيم هذه العادة في تحيتنا؟ لا نريد إلغاء المصافحة حتى لو اضطررنا لفعلها بمئات المرات في أي مناسبة، نريد فقط إنهاء عرف التقبيل، أو على أقل تقدير قصره على الشخصيات الكبيرة سنا. نحتاج باختصار شخصية ذكية وملهمة تبتكر لنا تحية سلسة تحافظ على الود بدون أن تستهلك وقتنا وجهدنا وتعرض صحتنا لأي خطر. وأقول للكرماء في السلام ممن يصافحونا ويقبلوننا في بداية المناسبة ويفعلون ذلك في نهايتها، نقول لهم نحن نقدر بالغ كرمكم ومشاعركم وخلقكم الجم، لكن هذا الأمر يكفي أن تفعلوه لمرة واحدة فقط في حال الاستقبال، وفي حال إصراركم على فعل هذا في التوديع، فالمصافحة فقط كافية لإيصال حجم الود.. قد يتبادر للذهن أن عادات السلام وإلقاء التحية من الأمور المعقدة التي يصعب تغييرها كونها لا ترتبط بقرار فردي، وربما لو حاول شخص منا كسر هذه العادة لكان أمرا معيبا في سلوكه وخلقه كونه سيظهره بقلة الاحترام والتقدير للآخرين. لكن في الحقيقة نحن بحاجة ماسة لبروتوكولات اجتماعية مستحدثة تخلصنا من أي عادة اجتماعية مزعجة، وسننتظر تلك الشخصية الملهمة التي تفعل ذلك بكل ذوق فيقلدها الجميع. إعلامية وباحثة اجتماعية