قبل يومين أجريت مقابلة تلفزيونية مع الدكتور عبدالرحمن الحبيب، وسألته عن الدور والأثر الذي يقوم به «تويتر» في السعودية، فأجابني بأنه ساهم كثيراً في زيادة الوعي الاجتماعي والسياسي والفكري، وكان يعتبره الإعلامي الأول بمعية «يوتيوب». وعندما سألته عن سبب اختفائه عن «تويتر» أجابني بأنه جلس ساعتين فقط في «تويتر»، ثم هرب بعدما رأى كمية السب خلال ١٢٠ دقيقة. هذا الموقف استوقفني كثيراً، وبعد الحلقة قمت بجولة تويترية واسعة على الردود التي تصل على حساب المشاهير والمؤثرين السعوديين، وكانت رحلة التجوال متنوعة بين كل الشرائح: الرياضية، السياسية، الاجتماعية، الدينية، الفنية، والشبابية... الخ، ولم أكن أتخيل أن منسوب الردود السلبية قد وصل لهذه المستويات المرتفعة، فرحلت لبعض الحسابات الخليجية ووجدت أن المشهد لا يختلف كثيراً عن نظيره السعودي، وهنا حاولت الانتقال لبعض الحسابات المصرية الشهيرة، لأجد أن الثقافة في الردود السلبية منتشرة في كافة الأرجاء، ومع مزيد من البحث وجدت أن الظاهرة ليست حكراً على العرب وحدهم، فهذا استطلاع لوكالة اسوشيتيد بريس أجري على مستوى الشتم واللعن بين الأمريكيين وصل إلى: أن الشتم واللعن لدى الأمريكيين زاد بنسبة أكبر مما كانت عليه قبل 20 سنة. سيطرة «التفكير السلبي» على عقولنا يجعلنا ننساق للاعتداء اللفظي في وسائل التواصل الاجتماعي، فعندما تولد «الفكرة السلبية» في الذهن تتحول إلى «شعور سلبي»، وهذا الشعور المولود في القلب يتحول إلى «سلوك سلبي»، وفي هذه الحال لا تستغرب عندما تعرض على أحدهم صورة جميلة لمجموعة من الزهور ثم تسأله ماذا تشاهد؟، فيجيبك إطارا أسود، فالفكرة السلبية جعلته يكره اللوحة ويبحث عن أسوأ ما فيها. الردود السلبية في «تويتر» هي نتائج لمشاعر وأفكار عميقة تحمل «الحسد» و«الإحباط»، فهو لا يقرأ التغريدة المكتوبة، ولكنه يقرأ عدم استحقاق هذا المغرد لبعض مكتسباته، وفي أحيان أخرى يعبر عن إحباطه وفشله في الوصول لما كان يحلم به. الأفكار والمشاعر السلبية تجعلنا نميل للسلوك العدواني، ونصبح أسرى لهذه الثقافة العدوانية في كل تفاعلنا، وأذكر في إحدى الدعوات قابلت رجلاً في بدايات الخمسين كان يفتخر بأنه هو من أنشأ الهاشتاق الشهير...، وهذا الهاشتاق عبارة عن دعوة جماعية للسب والشتم بلغة اركب معنا في سفينة السب!!، وكان يقول بشعور بطولي: إنني استفززت كل المغردين الكبار باسمي المستعار، وحتى أنت يا عبدالله لكنك لم ترد علي!، فهنا نصل لمرحلة خطيرة من تحقيق الذات عن طريق الاعتداء. من يسيطر عليه «التفكير السلبي» لا يتحرج من الرقص على طبول الزلات، ولا يستحي من التخفي ليشتم، وأن يُحَرف ويكذب ليلحق الأذى بأحدهم. «التفكير السلبي» يحرمنا من الموضوعية، ويجعلنا ننشغل بالنوايا عن الأفعال، وننبش في محتملات الأرشيف لننسف قطعيات الحاضر. الكثيرون تناولوا هذا الموضوع وراهنوا على القانون الذي يمنعنا من الاعتداء على الآخرين، وأنا أقول: الرادع الخارجي يمنعنا، والرادع الداخلي يصلحنا. تأملوا في منهج القرآن حين يقول: «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن»، وأعيدوا استشعار قول نبينا الخلوق -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). من أجلك أنت كن إيجابياً وانظر لمساحات الإشراق، فالعمر أقصر من ملاحقة الظلام...