السؤال القابل للطرح، هل رأيتم تجمعاً أو تظاهرة أو مطالبة مجتمعية بالإنفاق على التسليح والدخول في اتفاقيات دفاعية تأخذ أغلب ميزانية الدولة، أي دولة، في تلك الدول التي تكثر فيها مثل هذه الممارسات؟ بل هل كانت بدايات وتحركات وشرارات النار التي أججت ما يسمى بالربيع العربي اعتراضاً على تلك الدول التي اجتاحها ذلك الربيع لعدم قدرتها على بناء جيوشها وضعف تسليحها، والانفاق على تدريب وتأهيل ضباط وأفراد تلك الجيوش؟ أم أن الباعث لكل الاحتجاجات والاضطرابات التي تحدث في كل دول العالم هو المطالبة بتحسين لقمة العيش والرفع من مستوى الخدمات التي تقدمها تلك الدول لمواطنيها في مجالات الاسكان والصحة والتعليم، والمطالبة بالحد من الفساد إن لم تكن محاربته والخلاص منه. إذا سلمنا بأن حاجة الناس، وما يتعلق بمعيشتهم اليومية، هي الدافع لكل ما يكتب ويقال في وسائل الاعلام، ولجميع ما يثار وما يحدث من تجمعات ومسيرات عربية، استطعنا الاجابة بل ومناقشة الدعوة التي خرجت علينا أخيراً باهمية الاتفاق بل والانفاق على جيوش عريبة مشتركة وتجهيزها بالعدة والعتاد لمجابهة ما يحيط بالوطن العربي من مخاطر وقلاقل في المنطقة، والعين في ذلك التجهيز والضخ المالي والصرف عليها لاترى، بلاشك، سوى دول الخليج. اذا فكرنا قليلاً سنجد جميع الدول التي حدثت، ومازالت تحدث، فيها تلك الاضطرابات والاعتراضات والانقلابات، لم تدخر في الانفاق على جيوشها، وعلى أسلحتها، خلال الاربعين أو الخمسين سنة الماضية، لدرجة جاءت على حساب معيشة المواطن وتحسين ما يطلبه ويتوقعه من خدمات، والنتيجة انفاق أموال وموازنات ضخمة قادت إلى ضعف التنمية في تلك البلاد، وارتفاع شكوى المواطن واحتجاجه على سوء ما يقدم له من خدمات في كافة المجالات، أوصلت تلك الدول إلى ما وصلت إليه. في المقابل، نجد أن دول الخليج، ورغم إنفاقها على برامج التسليح وبناء جيوشها، لم تغفل الجوانب التنموية وملامسة حاجة المواطن وتقديم ما يحتاجه وينشده من خدمات طبية وتعليمية واجتماعية من خلال برامج ومشروعات معلنة ومعروفة للجميع. وبالرغم مما قدمته دول الخليج في مسارها التنموي وما وصلت إليه في هذا المسار، إلا أن حاجة المواطن تزداد وتتنوع، ما يجعل الاهتمام بالتنمية وبرامجها يجب أن يبقى أولوية لدى هذه الدول، وألا تنصرف عنه لأي سبب من الأسباب، فالاستقرار التنموي والاجتماعي هو اساس ازدهار الدول وتطورها وهو استقرار يتحقق حينما يجد المواطن نفسه وقد تحققت متطلباته، وقوبلت حاجاته بالاهتمام والعناية. لذلك فان مثل هذه المطالبات والدعوة للتسليح والانفاق عليه، والتي تطرح على مستوى عربي يجب ألا تكون أولوية لدول الخليج العربي، واذا كانت المشاركة مطلوبة لدواع سياسية واستراتيجية، فان ذلك يجب أن يكون بالحد الأدنى الذي تفرضه المرحلة والمصالح السياسية. أما مايجب أن يكون الشغل الشاغل لدول الخليج فهو التنمية والاهتمام ببرامجها ومشاريعها، بما يخدم المواطن الذي كان ويجب أن يظل هو محور التنمية وهدفها والركيزة التي يجب أن تقوم عليها كل خطط وبرامج ومشاريع دول الخليج.