الطفولة هي براءة وبياض ونقاء لا يمكن أن تدنس بشغب الكبار وألاعيبهم وأدرانهم وتلوثهم. شاهدتُ وبكل صعوبة المقلب الذي أجري ضد طفلة تبرق عيناها بالبراءة التي تشع باتجاه العالم، وقد جلست أمامها من تدّعي أنها تقوم بمقلبٍ ضدها، وحين شغبوا عليها بالأسئلة الملوثة التي لا تليق بالطفولة ولا ببراءتها ولا بكيان الطفولة الذي يحفظ بقوانين دولية مبرمة بإجماع الإنسانية حين شغبوا عليها تفاجأت الطفلة، ثم جاءت المذيعة ومن معها لتجلس أمام الطفلة وتقول بدمٍ بارد: "كان مقلب تعيشي وتأخذي غيره". ثم يعنفونها بأبشع العبارات والأقاويل وهي بكل براءة لا تعرف بماذا ترد. هذا هو المشهد الخطير والكارثي والمؤسف الذي بثه مثل هذا البرنامج ضد الطفولة وبراءتها. قد أكون قاسياً لكن تخيلوا أن هذه العبارات أو الأسئلة أو الموقف والتعنيف اللفظي قيل لأطفالكم وفلذات أكبادكم سيبقى مؤثراً عليهم طوال حياتهم. والمشكلة أن المذيعة لا تزداد إلا تعنيفاً وتوبيخاً للطفلة تحت ادعاء المقلب الذي يصوغونه أو الكاميرا الخفية التي لم تنجح أبداً في خليجنا العجيب. علينا أن نعتذر جميعنا لهذه الطفلة التي لم تستطع حتى أن تفهم كلمة مقلب أو كلمة "تعيشي وتأكلي غيره" هذا عدوان على الطفولة والبراءة وعلى المجتمع، وآمل من وزير الثقافة والإعلام أن يقوم بإجراء واضح وقوي تجاه مثل هذه البرامج وأن يعمم على الجميع الالتزام بالمواثيق الدولية التي تجعل من بياض الطفولة نقياً لا تدنسه أكاذيب وألاعيب البعض. يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو:"الطفولة صفحة بيضاء"، وحين يحاول البعض إدخال الصغار بالمقالب والعنف اللفظي والأسئلة المشوشة واللمز بالتهم إنما يسبب هذا قشعريرة حقيقية بالبدن، وقد حق للغاضبين في مواقع التواصل الاجتماعي أن تكون لهم ردة الفعل القاسية تجاه مثل هذا البرنامج وهذه الأدوات التعيسة. ألم يجد البعض غطاءً لإنجاح برامجه الباردة إلا دم الطفولة البارد ليشعل به أعراس نجاحه؟! أليست هذه خيانة لمبادئ الإنسانية وقداسة الطفولة؟ متى نفهم أن الطفولة مقدسة ومحل احترام وتقدير قانوني لا مزح فيه؟ في المادة التاسعة عشرة من اتفاقية "حقوق الطفل" الدولية والتي أبرمت في 1989 واتفقت عليها 193 دولة جاء فيها: "يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال، ولا يجوز استخدام الطفل قبل بلوغه سن الرشد. ويحظر في جميع الأحوال حمله على العمل أو تركه يعمل في أي مهنة أو صنعة تؤذي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه الجسمي أو العقلي أو الخلقي". بآخر السطر، لا تعليق على مثل هذه القسوة واستغلال الأطفال في البرامج العنيفة إلا التساؤل: أين هي المحاسبة؟!