«لا نملك رفاهية الاختلاف». هذا ما أكده وزير الثقافة المصري عبدالواحد النبوي، غير مرة، منذ توليه منصبه في 5 آذار (مارس) الجاري، حتى بدا وكأنه شعار مرحلة بدأت بإزاحة «الإخوان المسلمين» من الحكم في 3 تموز (يوليو) 2013، فضلاً عن جواز اعتباره تفسيراً غير مباشر لسبب إقالة سلفه جابر عصفور الذي جاهر في مواقف مختلفة بمعارضته تعاطي «الأزهر» في شؤون تخصّ الدولة. كان يفترض أن يحضر النبوي صباح الأحد الماضي افتتاح «ملتقى القاهرة الدولي السادس للرواية العربية»، الذي جرى الإعداد له على مدى شهور برعاية سلفه، لكنه لم يفعل، لانشغاله بالإشراف على نشاطات ثقافية جرى الحشد لها سريعاً لتصاحب مؤتمر دعم مصر اقتصادياً، الذي اختتم مساء اليوم نفسه في شرم الشيخ. علماً أنّه وعد، بحسب ما جاء في كلمة الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة محمد عفيفي في افتتاح المؤتمر، بأن يحضر الجلسة الختامية ويلقي كلمة. ويتخوّف بعض المثقفين من «الحياد» و»الترفّع» عن مخالفة نهج الدولة الرامي، ليس فقط إلى تجديد الخطاب الديني، بل كذلك إلى تجديد الخطاب الثقافي ذاته (بنص تصريح الوزير الجديد لإحدى الصحف) وفق آليات «إرشادية»، تقوم على الحشد، في مواجهة ما يحدق بالوطن من أخطار، داخلية وخارجية، ولمؤازرة المشاريع التنموية، على غرار ما كان يحدث في ستينات القرن الماضي بالنسبة إلى مشروع السد العالي مثلاً. وقد تعزّزت عند بعضهم تكهنات بأن الأزهر يقف وراء التـــعديل الوزاري الذي أتى بعبدالواحد النبوي، أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر، تلك الجامعة الدينـــية التي لا تـــتوقف ســهام المثقفين صوب مناهج التدريس فيها، وفي المدارس التابعة للأزهر عموماً، بدلاً من جابر عصفور، تلميذ طه حسين على درب «التنوير». من هنا بدا ذلك التعديل مفاجئاً، وربما صادماً لكثير من المثقفين. لكن لم يمض وقت طويل، حتى جرى، استيعاب الصدمة، على الأقل بالنسبة إلى مساعدي عصفور البارزين، فلم يبادر أيٌّ منهم بالاستقالة، أو حتى إبداء تحفظ واضح على توجهات تختلف جذرياً عن تلك التي ترسخت على مدى سنوات طويلة، خصوصاً في عهد وزير الثقافة الأشهر، فاروق حسني، والتي يمكن اعتبار عصفور نفسه مهندسها بحكم توليه منصب الأمين العام للمجلس الأعلى المصري للثقافة لنحو خمسة عشر عاماً. وعلى أية حال، فإن النبوي بادر بنفي ما تردد عن أن شيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي لعب دوراً مهماً في إزاحة حكم «الإخوان»، هو من رشحه لتولي منصب وزير الثقافة، مؤكداً في الوقت نفسه الاعتزاز بكونه «أزهرياً»، ومذكِّراً بأن طه حسين، الذي تولى منصب وزير المعارف (التعليم) قبل ثورة 1952 هو في الأساس «أزهري». لكن ذلك لم يمنع استمرار استهدافه في بعض الصحف، ووصل الأمر إلى حد اتهام مؤسسة الأزهر بأنها تضم قيادات إخوانية. وفي المقابل، رأى الناقد السينمائي طارق الشناوي في صحيفة «التحرير» القاهرية أنّ النبوي إلى الآن لم يُبدِ انفتاحاً ولا مرونة في تقبّل تعددية أطياف الفنون. ومن تلك الأطياف، نشاطات ثقافية مستقلة ازدهرت عقب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 في مقدمها جماعة «الفن ميدان»، التي كانت ترعى أنشطة ثقافية تقام شهرياً في ميدان «عابدين» في قلب القاهرة، وجرى منعها منذ نحو سبعة أشهر «لدواعٍ أمنية»، وتحدث وزير الثقافة السابق، جابر عصفور في غير مناسبة عن ضرورة دعمها والعمل على استئنافها. وفي السياق ذاته، جرى عقب، تولي عبدالواحد النبوي منصبه مباشرة، «تدشين المنتدى الوطني المستقل- ثورة»، بواسطة مثقفين مصريين، بينهم وزير الثقافة السابق عماد أبو غازي، والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، ويتولى رئاسته الناقد الأدبي عبدالمنعم تليمة، في خطوة يبدو أن هدفها تأكيد أن الخلاف ليس رفاهية، بل هو، وليس الحشد، ضرورة لنهوض البلد من كبوته الراهنة.