×
محافظة مكة المكرمة

مدني الطائف يحذر المواطنين والمقيمين من احتمال هطول أمطار

صورة الخبر

أعتقد أن البشر يصلون إلى مستويات عليا من العدالة حين يفكرون في الرياضة وإلى مستويات دنيا من العدالة حين يفكرون في السياسة، العرق، والدين. في كرة القدم مثلا يتفق غالب الناس على أن الجهات المنظّمة للمباريات يجب ألا تحابي فريقا على فريق وإلا كانت المنافسة ظالمة. لو دخل فريق بعشرة لاعبين والآخر بأحد عشر بسبب الجهات التنظيمية لعدّ الجميع هذه المنافسة غير عادلة. في المقابل يقبل كثيرون انحياز الدولة لعرق أو ثقافة أو دين معين ضد آخرين من المجتمع نفسه. عموما ملاحظتي اليوم تتعلق بمستويات مختلفة من الوعي الحقوقي الرياضي بين اللاعبين. من خلال متابعتي للدوري الإسباني لاحظت أن اللاعبين يعاتبون لاعب الطرف الآخر حين يقوم بالتمثيل للحصول على ضربة جزاء أو ما شابه. لم ألاحظ شيئا مشابها في الدوري السعودي. في الدوري السعودي الاعتراض موجه للحكم وليس للاعب. بغض النظر عن دقة تصوراتي عن الدوري الإسباني والدوري السعودي إلا أننا يبدو أمام نمطين من التفكير الأخلاقي. الأول يقول "يجب عليك أن تلعب بأمانة وسأعاتبك حين لا تلتزم بذلك ولك الحق أن تقوم ضدي بالشيء نفسه". التفكير الثاني "اللي تكسب به إلعب به" اعتراضي يتوجه للحكم أما أنت فليس بيننا اتفاق. يبدو لي التفكير الأول أسمى أخلاقيا من التفكير الثاني. التفكير الأول يقوم على فرضية وجود التزام أخلاقي بين اللاعبين خارج سلطة الحكم. بالتأكيد من يعرف طبيعة المنافسة في كرة القدم يعلم أن اللاعبين يمكن أن يمارسوا هذا السلوك للضغط على فريق الخصم، لكن حتى تحت هذه الحيلة فإن الفرضية الأخلاقية لا تزال موجودة. بمعنى أن اللاعب قد لا يؤمن بها ولكن يعلم أن لها ضغطا وقيمة عند الجمهور. لكي يكون الفرق واضحا بين نمطي التفكير السابقين دعونا ننقل الصورة إلى مؤسسة اجتماعية عمومية، لنقل وزارة حكومية. المشهد الأول: يقوم الموظفون بالتشهير بمن يقوم بأي اختلاس مالي أو معاملة سيئة للمراجعين حتى ولو لم تطاله الرقابة. المشهد الثاني: هنا تواضع بين الموظفين على أن من أراد أن يسرق فليسرق والتحدي هو في القدرة على النجاة من الجهات الرقابية. أعتقد أن المشهد الثاني يرسم صورة لحالة أعمق من الفساد باعتبار أنه لا يوجد بين الموظفين حس أخلاقي ضد هذا السلوك وكل ما في الأمر هو قدرة الفرد على الهروب من الرقابة. لكن هناك أيضا نمط ثالث أعلى من التفكير الأخلاقي وهو أن يعاتب لاعبو الفريق زميلهم وليس فقط لاعب الفريق الخصم حين يقوم بمحاولات تمثيل وخداع للحكم. هذا المستوى أصعب بكثير باعتبار أنه يعمل ضد آليات المنافسة الحادة التي هي في لب الصراع الرياضي. علاقة إما نحن وإما هم تدفع بالأفراد للتواطؤ مع أفراد الجماعة الخاصة ضد أفراد الجماعة الأخرى. يبدو أن الحسبة الفردية هي الأقدر على كسر الحسبة الجماعية. تجد مثلا أن لاعب الفريق يعاتب زميله حين لا يمرر له الكرة وهو في موقع أفضل للتسجيل. المستوى الثالث هنا هو ما يمكن تسميته بمستوى أخلاق المبدأ. بمعنى أن يكون التزام الإنسان الأخلاقي مرتبطا بالمبدأ ذاته بغض النظر عن أطراف القضية الأخلاقية. هذا يعني أن الانتماء "الهوياتي" يصبح من دون دلالة أخلاقية. أو بعبارة أقل حدة يكون الانتماء "الهوياتي" عاملا غير فاعل في تحديد موقف الفرد الأخلاقي، أي في تحديد ما يراه خيرا أو شرا أو من هو الخيّر ومن هو الشرير. هذا مستوى عال جدا من الوعي الأخلاقي ويصعب على الكثير القيام بها. أحد أسباب هذه الصعوبة أن تكون الانتماءات "الهوياتية" مبنية لتكون متعالية على المعاني الأخلاقية. بمعنى أن تتم تربية الناس على أن انتماءهم لجماعة معينة يعني انحيازهم الأخلاقي لهذه الجماعة. ألطف نماذج هذا الانحياز هو استعمال معيار الجماعة كحكم أخلاقي وتهميش معيار الآخر. بمعنى أن يتبنى الفرد هذا الموقف "منظومتي الأخلاقية عادلة بغض النظر عن رأيك فيها ولذا سأحكم عليك بناء على هذه المنظومة فقط". أخلاق المبدأ في المقابل متأسسة على حضور الذات والآخر على طرف المساواة. بمعنى آخر أن القيم الأخلاقية تنطلق من منظور لا يرى في الفروق بين الأفراد أي معنى أخلاقي. الفروق المقصودة هنا هي الفروق الأولية بمعنى ألا يكون لعرق الفرد أو مستواه الاقتصادي أو انتماءاته العقدية أو السياسية ما يجعل له قيمة أخلاقية أعلى أو أدنى من أي فرد آخر يختلف معه في تلك العوامل. نحن هنا أمام ثلاث مستويات من التفكير الأخلاقي وبرأيي أن وجودها له دلالة على المستوى الأخلاقي العمومي في المجتمع. لنتذكر أن الرياضة من أفضل المجالات التي يتضح فيها التفكير الأخلاقي لأن شروط العدالة تبدو أكثر قبولا لدى أغلب المتابعين. بمعنى أن ما نجده في التفكير الأخلاقي في التنافس الرياضي ربما كان أعلى مستوى ممكن للتفكير الأخلاقي، وبالتالي إذا كان منحطّا فنحن أمام مشكلة عميقة جدا.