على رغم الملاحظات والمآخذ التي تم رصدها عليها منذ أعوام، إلا أن ما يُطلق عليها «مخيمات دعوية» لا تزال تحضر على مستوى مواقع عدة من المملكة، لتقدّم برامجها وفعاليتها أمام الجمهور المتفاوت سناً وفكراً ومعرفة، في الوقت الذي تزداد فيه المطالبات بضرورة وضع حد لما يتم طرحه من خلالها والعمل على تعزيز رقابتها، وإلزام القائمين عليها باختيار متحدثين ثقات وذوي فكر معتدل لا متطرّف، لاسيما بعد تحول بعض الشبان الذين تحتفظ مواقع إلكترونية بخطبهم ومحاضراتهم خلال حضورهم في المخيمات إلى قضاة ومنظرين شرعيين لبعض التنظيمات الإرهابية. وعلى رغم مرور أكثر من عقدين من الزمان على صناعة التغرير التي تكشف مدى استغلال الجماعات المتشددة لما يسمى بـ«المخيمات الدعوية»، إلا أن الاستغلال لا يزال مستمراً حتى الوقت الراهن. المخيمات التي أسماها أصحابها بـ«الدعوية»، بثّت الكثير من الأفكار المتطرّفة والمتشدّدة، لدرجة وصول بعض زوارها إلى الانضمام لبعض التنظيمات، تماماً كذلك الذي ينتمي إلى تنظيم «داعش»، وظهر قبل أيام في مقطع فيديو قال فيه: «كل من يخالف مطالبنا فهو في مرمى أسلحتنا»، بعد أن كان هو بذاته يتوسط جمعاً غفيراً في أحد المخيمات الدعوية في المملكة والزهور تحفه، ممسكاً بمكبر الصوت، مخاطباً وناصحاً للشباب المتحمس، وبعض الأطفال الذين حضروا للاستماع له، في خيمة يعود تصريحها لوزارة الشؤون الإسلامية. ويصف الكاتب والباحث في التيارات الإسلامية والتنظيمات المتطرفة محمد العمر، بعض القائمين على تلك التجمعات بمن اتخذوا الغطاء الرسمي وهماً لأولياء أمور الشباب، مشيراً إلى أنها تحمل أفكاراً مخالفة ومتطرفة. ولفت إلى أن التصنيف يعّد من الطرق التي يتبعها بعض المحاضرين في تلك المخيمات، وهو ما يؤدي إلى الفرقة الاجتماعية وعدم تقبل الرأي الآخر وبالتالي الإقصاء له. ويقول في حديثه لـ«الحياة»: «الطرق التي يتخذها البعض ليست بالتحريض العلني، ولكن يعزفون على أوتار المتحمسين والمندفعين، وتكون نتائجها نغمات صارخة تظهر أطياف التشدد والتطرف، هؤلاء من أطلق عليهم (دعاة الصريخ)، ووزارة الشؤون الإسلامية تتحمّل جزءاً من المسؤولية، لكونها لا تبذل جهوداً في احتواء هذه التجمعات، ومنذ تسعينات القرن الماضي لا تزال الوزارة - وهي المعنية بهذه التجمعات - ضعيفة في المراقبة، فلم نرَ تحركاً جدياً يستهدف تطوير هذه المخيمات، بل إن البعض استغلوا تلك المنابر لتمرير وترويج فكرهم وآيديولوجيتهم، وإطلاق أحكام جزافية ترفض احترام الآراء الأخرى». على أطراف الرياض باتجاه الشرق، حيث توجد المقاهي والاستراحات التي يرتادها بعض الشباب، تقبع إحدى تلك الخيم هناك، وبعد سؤال المرتادين للمكان أوضحوا أن كثيراً من التمييز يسمعونه، فمثلاً اتهام من هم في المقاهي بالضالين، والمضيعين، ومن يسمع الغناء بأنه طُبع على قلبه حتى بات لا يرى الحق أو الصواب، مبيّنين أنه في ظل غياب المسارح، ودور السينما، لم يتبق سوى الاستراحات لتكون المهرب الوحيد لقضاء أوقات فراغهم، إلا أن مهربهم بدأ يتلاشى بعد أن غُرست «أطناب» خيمة بجانبهم، معلنة بدء أوقات «الصراخ» - كما يصف أحد ساكني الاستراحات القريبة من تلك «المخيمات». ويقول محمد أبا الخيل وهو أحد المستأجرين لاستراحة تبعد عن تلك المخيمات مسافة قليلة: «في هذه الأجواء ترغب بالجلوس في حديقة الاستراحة والاستمتاع بفاكهة الشتاء بعد انتهاء أسبوع عمل شاق، إلا أن تلك المكبرات تحدّ من ذلك، مسببة لنا تلوثاً ضوضائياً بما تُطلقه من عبارات فيها من التطرّف ما فيها». وأشار أحمد السليم إلى أنه يحمل على عاتقه 30 ألف ريال يدفعها سنوياً للاستراحة التي يستأجرها، مبيّناً أنه يفكر جدياً الآن بالخروج منها والبحث عن أخرى نتيجة لذلك الإزعاج، ويقول: «طالبناهم مسبقاً بخفض الصوت، إلا أنهم رموا بطلبنا عرض الحائط معتبرينا من محاربي الفضيلة والدعوة!». بدوره، أكد المحامي عبدالرحمن اللاحم، أن بإمكان أي متضرر اللجوء إلى القضاء، لافتاً إلى أن التسبب في إزعاج الآخرين يعد من الأمور المرفوضة شرعاً وقانوناً. ويضيف في حديثه لـ«الحياة»: «من حق أي شخص أن يتقدم بشكوى رسمية للوزارة المعنية لإيقاف مثل هذه الأنشطة، وفي حال عدم استجابة الوزارة وعدم الاستجابة للشكاوى، فيمكن التقدّم إلى ديوان المظالم لوضع حد لذلك». «الشؤون الإسلامية» لـ«الحياة»: لا نخشاها ونراقب أنشطتها < أكد وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق السديري، أن الوزارة تقوّم المخطئين في أساليب الدعوة، وتعمل على مراقبة ما يتم عرضه من برامج وأنشطة في تلك المخيمات. وقال في حديثه لـ«الحياة»: «إن الوزارة تعتمد في اختيارها لمواقع المخيمات على أماكن تجمع الشباب، وهو ما يراه البعض بالمزعج، خصوصاً أن بعض من يقومون على تلك المخيمات يتخذون أساليب في الدعوة يراها البعض منفّرة، ونحن نحرص على تفعيل طرق مستحدثة ومحببة للشباب في الدعوة لترغيبهم للتفاعل معها». وأوضح أن الوزارة تمنح تراخيص المخيمات بناء على اشتراطات عدة، منها توافر المساحة، ووجود أماكن مصممة للوقوف حتى لا يتسبب التجمع بازدحام في الطرقات، مضيفاً: «هناك عمليات تضليل تحدث للشباب تحت اسم الدين والجهاد، إلا أن الوزارة لا تخشى منها في المخيمات الدعوية، نظراً لتخصيص مشرفين لمراقبة المحتويات التي تطرح فيها ونوعية الفعاليات والأنشطة التي يتم تقديمها».