خرج الآلاف من الجزائريين أمس في مظاهرات بـ«عاصمة النفط» ورقلة (800 كم جنوب العاصمة) للاحتجاج على تمسك الحكومة بمشروع التنقيب عن الغاز الصخري. وشاركت المعارضة بكثافة في هذه المسيرة، ودعت إلى «التجند لإفشال مشاريع السلطة المعادية لمصالح الشعب الجزائري». وسار المتظاهرون في شوارع المدينة تحت شمس حارقة، ورفعوا لافتات كتب عليها «صامدون صامدون.. للغاز الصخري رافضون»، وردد هذا الشعار المئات من سكان المدينة التي تعاني من مظاهر الفقر وفقدان المرافق العمومية، رغم أن أرضها تمثل الشريان الذي يتغذى منه ملايين الجزائريين، كونها تحتضن أهم حقول النفط في الصحراء الجزائرية. وتدفق منذ الصباح الباكر عدد كبير من المتظاهرين، على الساحة الرئيسية بالمدينة، التي كانت مكان انطلاق المسيرة، واتهم المحتجون «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، بـ«ببيع البلاد بثمن بخس»، على اعتبار أن الحزبين معروفان بدعمهما لمشاريع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ويملكان الأغلبية في البرلمان، كما أنهما يوجدان في الحكومة بقوة بواسطة أطرهما. وهدد أحد المتظاهرين من سكان الصحراء بـ«تنظيم انتحار جماعي إذا تعنتت الحكومة وأبقت على ورشة التنقيب عن الغاز الصخري في منطقتنا»، في إشارة إلى دراسات جارية في عين صالح (1900 كم جنوب العاصمة)، للتنقيب عن الغاز الصخري. لكن الحكومة تصر على أن الأمر «لا يعدو كونه بحوثا ميدانية للتعرف على مخزون الغاز الصخري»، وأنها لا تنوي استغلاله حاليا. لكن المتظاهرين لا يثقون في الخطاب السياسي بخصوص هذا الموضوع. واللافت أن قوات الأمن لم تتدخل لمنع المتظاهرين من تنظيم المسيرة، على خلاف ما جرى في العاصمة قبل أسبوعين، حيث منعت المعارضة بقوة من التعبير عن موقفها الرافض لمشروع الغاز الصخري. ومن الواضح أن الحكومة قررت عدم التصدي لمظاهرات أمس، مخافة رد فعل عنيف من المحتجين. وقال محسن بلعباس، رئيس «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، الذي يعد رأس المعارضة العلمانية، وسط المتظاهرين «لقد أعطانا سكان عين صالح دروسا، وأرسلوا إلينا رسائل للمقاومة والثبات على الموقف. غير أن هذه السلطة لا تجيد قراءة الرسائل». ومن جهته، دعا سفيان جيلالي، رئيس حزب «جيل جديد» (ليبرالي)، السلطات إلى «العدول عن المشاريع التي تخدم الغرب». وقال في هذا الصدد «نحن نعلم أن الشركات متعددة الجنسيات أملت شروطها على النظام الجزائري، بعد أن وافقت الدول الغربية على ترشح بوتفليقة لولاية رابعة. والتنقيب عن الغاز الصخري في صحراء بلادنا أحد أهم هذه الشروط، ومن يظن أن الجزائريين غافلون عن هذا، فهو واهم». من جانبه، قرأ أحمد عظيمي، المتحدث باسم «طلائع الحريات»، الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس، كلمة نيابة عنه، جاء فيها أنه «في هذا الملف (الغاز الصخري)، كما هو الحال بالنسبة لملفات وطنية حساسة أخرى، لم يعد النظام السياسي القائم قادرا على إخفاء حقيقة يعرفها الجميع، وهي أنه لم يعد يتحكم في الأحداث، وأن تسيير شؤون الأمة الأكثر دقة قد فلتت من يده، وأنه أضحى لا يعالج ولا يحل مشاكل البلاد، بل يفتعلها بمحض إرادته، كما أنه يغذي الانسداد وينعشه عوض القضاء عليه وتجاوزه، وهو يغلق الآفاق الواحد تلو الآخر، وبات يفتقد إلى كل رؤية أو طموح أو مشروع جامع ومحفز لخدمة جزائرنا الحبيبة التي حكم عليها ظلما وتعسفا وتعنتا بعدم الاستقرار والتصادم والتفرقة». وتأتي مظاهرات ورقلة في سياق الاحتجاجات المتواصلة في بلدة عين صالح الصحراوية، التي شهدت في الأسابيع الماضية انزلاقا خطيرا، بعدما تدخلت قوات الأمن لفض الاعتصامات في الساحات العامة. وأعلن الجيش عن انخراطه في عمل ميداني بهدف تهدئة الوضع بالبلدة، بعد أن رفض الغاضبون التواصل مع وزارة الداخلية وقوات الأمن. وتمكن ضابط عسكري كبير، أوفدته وزارة الدفاع إلى عين صالح، من إقناع المحتجين بالعودة إلى منازلهم في مقابل تعهَّد الحكومة بوقف أعمال البحث عن الطاقة غير التقليدية، مؤقتا.