صحيفة المرصد : بصدور الطبعة الثانية من كتاب "ستيف جوبز، القصة المدهشة لمؤسس آبل"، والصادر عن مؤسسة قطر للنشر (دار بلومزبري)، وترجمة عبدالمقصود عبدالكريم، يتحقق أمل جوبز بأن يترك لأطفاله وللعالم "شيئا ما"، بدليل شغف القراء والعارفين بدوره التاريخي والعبقري في تأسيس وتطوير إحدى أكبر شركات صناعة الكمبيوتر في مختلف أنحاء العالم. وهذا ما أحب أن ينقله المؤلف وكاتب السيرة كارن بلومنتال في الكتاب الذي حمل 284 صفحة من السرد الوثائقي والتسجيلي والصحافي حسب موقع "العربية نت" ، متكئا على مجموعة من الصور الشخصية الخاصة التي أرّخت لجوبز وآبل وأبنائه وأبويه البيولوجيين وبالتبني، وكذلك عن بعض أشهر رفاقه في تلك الصناعة الرائدة، كوزنياك ورون وين وغيرهما. نصيحة النجار وعلامة الجودة وإن كانت حكاية ستيف جوبز، تتصل في شكل مباشر، بالتكنولوجيا وعالم صناعة الحواسب والبرمجيات، خاصة، إلا أن العالم الذاتي الخاص لهذه الشخصية الملهمة ذات الإرادة القوية والتصميم الفريد من نوعه على تجاوز المحن، لا تعكس، وحسب، عبقرية صاحبها في عمله وإنتاجه الذي بات معروفا في كل أنحاء العالم ولدى المستخدمين العاديين أو المطوّرين الكبار الذين يتخذون من جوبز وأمثاله نموذجا يحتذى في القدرة على ترك بصمة في عالم الإبداع وكذلك جني الأموال وتحقيق الثروات، بل تعكس تلك الشخصية عالما غريبا غير مألوف للعامة، قد تكون هي العلامات المبكرة التي أشارت بصمت، إلى أن شخصا غير عادي قد ولِد في الرابع والعشرين من فبراير عام 1955، ليسارع أبواه بالتبني، بول وكلارا جوبز، لإطلاق اسم "ستيفن بول" عليه. يشير جوبز، لكاتب هذه السيرة، إلى أنه تأثر كثيرا بنصيحة عظيمة تلقاها من أبيه بالتبني، عندما كان يعمل بالنجارة لتوفير مزيد من الأموال كي يقدر على تأمين الأقساط المالية والمعيشية لجوبز، بقوله: "حين تكون نجاراً يصنع أدراجا جميلة، لاتستخدم في ظهر الدرج رقائق من الخشب، حتى لو كان هذا الظهر مواجهاً للجدار ولن يراه أحد. سوف تعرف أنه موجود! ولذا عليك أن تستخدم قطعة جميلة من الخشب في الظهر". ويشير بلومنتال الى أن هذه النصيحة تركت أثرها العميق في جوبز وظهرت على منتجات "آبل" الجديدة. فكان دائما مايردد جوبز: "حتى تنام مستريحا في الليل، يجب أن تأخذ الجماليات والجودة مَدَاهما". يتيم من "كنتاكي" في بدايات انشغال الأبوين بالتبني، بابنهما الجديد، جوبز، واجها تحديا كبيرا يتمثل بصعوبة تربيته نفسها، إلى الدرجة التي تساءلت فيها كلارا، أمه بالتبني، إن كانت قد أخطأت بتبنّيه؟! بسبب غرابته وصعوبة مراسه. فقد نقلوه مرة الى طوارئ المستشفى، لأنه كان قد أدخل دبوساً في مقبس الكهرباء! ثم نقلوه بشكل عاجل الى المستشفى: "لغسيل معدته" بعدما تناول: "سمّ الفئران". وكانا لشدة الخوف عليه من طبائعه الغريبة غير المتوقعة لو قام من النوم وحده وباقي أهل البيت نائمون، قاما بشراء: "حصان خشبي هزّاز ومسجِّلاً وبعض تسجيلات المغني ليتل ريتشارد" كي يشغلاه عن القيام بأفعال غريبة. كذلك فإن تصرفاته الغريبة غير المتوقعة، كانت تثير استياء المدرّسين، ما أدى إلى طرده عدة مرات من المدرسة، وكان والده بالتبني غالبا مايدافع عنه قائلا للمدرّسين وإدارة المدرسة: "إذا لم تستطيعوا أن تثيروا اهتمامه فهذا خطؤكم"! حتى بعدما كبر جوبز والتحق بالجامعة، كان غريب الأطوار و"يحدق بالناس ويهاجمهم بالأسئلة، بينما عيناه تقتحمان الشخص" حتى وصف بأنه: "من غرائب الجامعة". ومن تصرفاته الغريبة، والتي اعترف بها لكاتب السيرة، هي عدم توجيه الشكر لوالديه بالتبني بعدما أوصلاه للجامعة: "لم يمنحهما جوبز حتى لحظة الوداع المنتظرة" ويعترف للكاتب: "قلت من قبيل: شكرا، حسنا، إلى اللقاء"، ويضيف في إشارة تعكس مدى تأثره بتلك المرحلة بأفكار الانعزال والفوضوية الهبّية التي كانت تضرب جيلا كاملا اشتهر بالفن والأدب وأدخلها جوبز الى التكنولوجيا: "لم أرغب حتى أن تعرف المباني أن والديّ هنا. كنت أريد فقط أن أكون مثل يتيم من كنتاكي كان يتسكع في البلاد متنقلا في قطارات الشحن لسنوات".. وينقل المؤلف أن جوبز كان يعترف بهذا الخطأ الى الدرجة أنه قال: "إنه أحد المواقف التي أخجل منها في حياتي". ويشير المؤلف الى أن جوبز بدا غريب الأطوار حتى بين الناس الذين تصدر عنهم أفعال غريبة.. وذلك بعدما عمل في شركة "أتاري" للألعاب، وانضمامه الى فريق عملها الذي كان يناسب شخصيته الفوضوية، فهم: "يطيلون شعورهم ومنقطعون عن الدراسة ومن هواة ركوب الدراجات البخارية على الطرق الوعرة". فيضيف كاتب السيرة: "لكن حتى بين هذه التشكيلة المتنوعة من البشر بدا جوبز غريب الأطوار" فلقد وصل به الحال إلى أن تصدر من جسمه "رائحة كريهة" بسبب قناعته بأن "تناول الزبادي والفاكهة كان يغنيه من الاستحمام"! مما جعل وجوده بينهم: "غير مرغوب فيه"! شخصية درامية مليئة بالعجائب تنقل أخته البيولوجية، منى سامبسون، وهي روائية وكاتبة، أنها تعرفت الى ابيهما البيولوجي، الدكتور عبد الفتاح الجندلي، سوري الأصل، وأنها ذهبت الى مطاعمه التي يديرها بعدما توقف عن التدريس في الجامعة، وتذكر حادثة غريبة لا نسمعها في العادة إلا في الروايات أو الأعمال الدرامية، حيث قال لها أبوها البيولوجي إن مطاعمه التي يديرها بدأت بجذب المشاهير من الناس، وخصوصا محبي المأكولات البحرية. ويذكر لها أن الشهير "ستيف جوبز" العبقري في عالم الكمبيوتر من روّاد مطاعمه! فتقول سمبسون إنها لم تستطع أن تبوح بالسر لأبيها بأن جوبز هذا هو ابنه. فاتصلت بمؤسس آبل وأخبرته بماحصل. فذهل جوبز، وتذكر فعلا ذلك الرجل وقال لها: "كان سورياً وأصلعَ.. وتصافحنا"! ويشير مؤلف الكتاب أن سمبسون بسبب موهبتها الروائية أفادت من غنى تلك الشخصية بالغرائب والعجائب، فيذكر أن روايتها "رجل عادي" مستلهمة من حياة أخيها البيولوجي ستيف جوبز، خصوصا في افتتاح روايتها: "كان رجلا مشغولا بدرجة تمنعه من شد سيفون الحمّام". تفاحة هزمت كل الثّمار طبعا، الكتاب هو سيرة كاملة من الولادة إلى.. الموت. وآثرنا، هنا، إيلاء بعض التفاصيل الخاصة التي اختفت بسبب شهرة منتجات "آبل" وشهرة مؤسسها ومديرها، كما أن تاريخية الشركة أصبحت من ثوابت القراء والمطوّرين الشغوفين بتكرار نموذج جوبز ورفاقه. فيعكس الكتاب كل مراحل تكون "آبل" بدءا من 1970 عندما تعرف جوبز على وزنياك ثم تأسيسهما لآبل ومن ثم إنتاجهما لآبل 1. ثم في عام 1974 حيث يعمل جوبز في شركة أتاري للألعاب. وصولا إلى ديسمبر عام 1979 عندما يتعرف جوبز على تكنولوجيا جديدة تتعلق بالجرافيك. ثم يصبح مايك سكوت رئيسا لآبل. وفي أول الثمانينات يصبح جوبز مشرفا على تطوير كمبيوتر آبل. وكل مراحل تطور الشركة الرائدة في صناعة الحواسب وصولا إلى البرامج الحديثة والمنتجات الأحدث والتي جعلت تفاحة آبل تتفوق على كل العلامات التجارية ذات الصلة والتي وصل ثمنها السوقي الى مئات الملايين من المليارات، خصوصا بعد الآيفون والآيباد والحواسيب الشخصية المتقدمة متقنة الصنع. الى أن يتمكن السرطان من جسم جوبز ويستقيل من منصبه مديرا للشركة، موصيا بتنصيب "تيم كوك" بديلا له والذي لايزال على رأس عمله الى الآن مديرا لآبل، وتوافيه المنيّة في الخامس من اكتوبر عام 2011 محاطا بزوجته وأطفاله وأختيه، ليرحل تاركا إرث نجاح وكفاح أوصل جامع الزجاجات الفارغة لبيعها توفيرا لبعض السنتات لتأمين لقمة العيش، لتأسيس وإدارة إحدى أكبر شركات العالم، مخلفاً وراءه سيرة إرادة وتركيز وتصميم لا يلين ومقدرة على تجاهل التفاصيل والدخول في صلب الأحلام وتحويلها الى واقع.