ما من شك لدي في أن الداهية الذي فكر في إنشاء شركات الاستقدام الجديدة -التي ربما يتجاوز عددها حتى الآن 18 شركة في بلادنا، والتي قد بدأ البعض منها بمزاولة العمل منذ فترة وجيزة- قد استشرف المستقبل، وواكب متطلبات المرحلة التاريخية التي نعيشها، وواجه التحديات المحدقة بنا بعمق وإدراك، وحقق لأمن الوطن الكثير، بكل ما تعنيه هذه العبارات من معان، ويستحق منا الشكر والثناء، ولست هنا أتحدث من فراغ أو بتأثير عاطفي، وإنما بناء على معطيات واقعية سأسرد ما أمكن منها في هذا المقال لكي تتضح الصورة. هذا الداهية انطلق لتحقيق أهدافه مواكباً للعصر ومتطلباته، ومعبراً بشكل لائق عن طموحاتنا المتناغمة مع المبادئ والقيم التي قام عليها مجتمعنا في المملكة، كما أن أهدافه تسير وفق أبجديات العمل الاستراتيجي، الذي يوائم بين الأدوات والإمكانات، بل هذا -لعمري- هو صلب العمل الاستراتيجي الذي يعني تحديد الهدف وتمكين الادوات والامكانات للوصول إليه، كما أنه يتماشى مع تفعيل الاستراتيجيات الخليجية الموحدة التي تهدف الى تنظيم سوق العمل واستقدام العمالة الفنية التي تتوافق مع تنامي سوقنا الخليجي اقتصادياً، وتتناغم مع مقومات البنى التحتية التي تتطلب مختلف المهارات من العمالة المستقدمة، وذكرت انه قدم لأمننا الوطني خدمة جليلة ومبتكرة، تصب في روافد استراتيجيتنا الامنية، ذلك لأن من الاخطار الاستراتيجية الحقيقية في منطقتنا الخليجية هو اعتمادنا على الوافدين بشكل كبير، فدول الخليج لم تتمكن حتى الآن من الاستغناء عن الوافدين، وربما لن تتمكن في المستقبل القريب، ولو أخذنا مثالا على ذلك المملكة -لكونها من أكبر الأسواق المستوردة للعمالة في العالم- لوجدنا أن عدد السكان حوالي 30 مليون نسمة، منهم حوالي 10 ملايين من غير السعوديين، وهذا يعني أن ثلث سكان المملكة تقريباً من الوافدين، وهذا الثلث السكاني يمارس عمليات تحويل لمبالغ طائلة الى خارج البلاد، ربما تتجاوز 90 مليار ريال في العام الواحد، وليست في معظمها مستحقات رواتب أو مكافآت، بل هي نتيجة لأعمال أخرى ينبغي منعها، وهذا الثلث السكاني قد تأتي معه عادات غريبة على مجتمعنا، وقد ويحمل معه أمراضاً خطيرة وينشرها في بلادنا، وقد يمارس أعمالاً تتنافى مع قيمنا الاسلامية، ولذا قلت: إن تأسيس هذه الشركات الاستقدامية من الأعمال الاستراتيجية التي تصب في أمن الوطن؛ لأنها ستقوم بتأمين العناية الصحية والغذائية للوافدين في موقع السكن المأوى الخاص بهم، في موقع جغرافي مناسب يتماشى مع المواصفات العالمية، ويحتوي على أماكن الرياضة والترفيه، وهذا سيجعلنا نصيب عدة أهداف إنسانية وأمنية بحجر واحد، ومن هذه الاهداف أننا سنمارس مبدأ الروح الاستباقية الذي يعني -في الاستراتيجيات- تجهيز سيناريوهات بديلة لأي حدث متوقع، والاحداث المتوقعة لا حصر لها، وهنا مربط الفرس، وهذا يعني أننا نقوم بضبط الحركة العمالية في البلاد، ونقوم بالسيطرة القانونية على خروج أموالهم ومعرفة مصادرها، ونشرف على حالاتهم الصحية، ونمنع تفشي الأوبئة التي يأتون بها من بلدانهم، ونقضي على العمالة السائبة، ونقضي بشكل كبير على هروب العمالة، وستزول معظم الآثار السلبية التي تنتج عن المشكلات العمالية بين الكفيل والمكفول، كما سنقضي على مساكن العمالة الوافدة غير المرخصة، وستختفي العمالة التي تجوب الأحياء الآهلة بالسكان، ومن الاهداف ايضاً تقديم خدمات احترافية وفعالة في نشاط الاستقدام، وتنظيم نشاط التوسط في استقدام العمالة المؤهلة، و«من الاهداف -أيضاً- القضاء على السماسرة والمكاتب الوهمية»، حيث لن يصبح لوجودهم حاجة بعد قيام تلك الشركات. ومن الأهداف القضاء على السوق السوداء لتأجير العاملات المنزليات خصوصاً في رمضان، والقضاء على داء التستر على مخالفي نظم الإقامة، ذلك الداء الذي يمارس ليزاحم المواطن في رزقه -كل ذلك- مع ضبط العمالة الوافدة وفق الأنظمة المحلية والقوانين الدولية سيسهم في سد الثغرات وسيعمل على إنجاح خطط وبرامج السعودة، وكذلك سيسهم في تخفيض نسب العاطلين أو المعطلين عن العمل من شباب وشابات الوطن والذي يتجاوز عددهم ستمائة ألف عاطل، ثم إن قيام تلك الشركات سيحد من بطالة الوافدين التي ينتج عنها -في الغالب- كوارث سلوكية وأخلاقية؛ حيث إنها تفرز عصابات التزوير والتهريب وتصنيع المسكرات وترويج المخدرات والأفلام الإباحية وتسهيل الدعارة والسرقات، وستقضي على تلك الممارسات غير النظامية التي يمارسها الوافدون كالسيطرة على سوق التجزئة وقطاع الخدمات والمقاولات وتجارة المحاصيل الزراعية وتجارة المواشي، وسيستمتع الوافد بتأمين لقمة العيش الكريمة له ولأسرته، كما ستكون هناك فرص أكبر لعمل المواطن. هذه هي -بإجمال- أهم ملامح إسهامات شركات الاستقدام الجديدة، التي سوف تنقلنا الى الأفضل فيما يتعلق بالاستقدام وتنظيمه بطريقة احترافية، أما الجميل في هذه الشركات الاستقدامية هو أن بعض كبار موظفيها -الذين أعرفهم- من نخبة شباب هذا الوطن ومن أصحاب الخبرة المتمرسين والمؤهلين في الإدارة، وهذا يطمئن كثيرا؛ لأن أبناء الوطن أحرص كثيرا من غيرهم على أمن وصيانة وسلامة وطنهم!.