سجلت المشاركة الإيرانية في حرب النظام على جبهة درعا – القنيطرة في الجنوب السوري، نقطة تحول كبير في الدور الإيراني في القضية السورية، حيث لم يقتصر الأمر على مشاركة قوات إيرانية من نخبة الحرس الثوري بقيادة جنرال الحرب قاسم سليماني، بل من خلال حضور إيران الواضح في التخطيط والتنفيذ وتحديد أهداف الحرب. ويمثل التطور الأخير في انخراط إيران في العمق السوري، امتدادا لتاريخ عميق من علاقات إيران الخمينية مع نظام الأسد، وقد ترك على مدار عقود متوالية منفعة متبادلة للطرفين مع تميز لصالح نظام الأسد الأب، وهي قاعدة تغيرت مع مجيء بشار الأسد إلى سدة السلطة في سوريا عام 2000، فرجحت كفة إيران في علاقات الجانبين، قبل أن تتحول إيران بعد انطلاق ثورة السوريين إلى قوة سيطرة وضبط في نظام الأسد. لقد بدلت العلاقات السورية الإيرانية ثوبها مع وصول الخمينية إلى السلطة في إيران عام 1979، وفتح نظام الأسد أبواب البلاد للوجود الإيراني عبر ثلاثة مسارات؛ أولها مسار العلاقات الرسمية، وشمل علاقات سياسية واقتصادية وثقافية مميزة، وجدت لها سندها ودعمها في حاجة نظام الأسد إلى المساعدة في وقت كان فيه النظام يعاني من مشاكل داخلية ومن حصار دولي نتيجة سياساته الداخلية والإقليمية، فيما كانت إيران بحاجة إلى سند يساعدها في حربها ضد العراق ومحيطه العربي. وفي المسار الثاني، فتح الإيرانيون بوابة علاقات مع النخبة السورية بتخصصاتها المتنوعة، وركزوا في صلاتهم على النخبة المرتبطة بالنظام والقريبة منه، فعقدت علاقات، ونظمت زيارات ولقاءات، وأقيمت مشاريع، عززت علاقات ومصالح العديد من رموز النخبة السورية مع الإيرانيين من خلال مؤسسات رسمية وأخرى خاصة. أما المسار الثالث، فعبرت عنه سياسة التسلل الإيراني إلى العمق السوري، وتشاركت في هذا المسار عشرات من المؤسسات الإيرانية، ولا سيما المؤسسات الدينية والثقافية والسياحية الرسمية والأهلية، ومنها عشرات الحوزات الدينية التي كانت قائمة في مدينة السيدة زينب جنوب دمشق، وفي هذا المسار نشطت عمليات تشييع لسوريين من السنة، وإقامة مراقد شيعية، وشراء عقارات في المناطق السكنية والتجارية، وجرى توطين إيرانيين فيها، وأقيمت مئات معارض الكتب والندوات والأسابيع الثقافية والسينمائية. وكرست تلك المسارات حضورا إيرانيا قويا وواسعا، لكنه ظل محكوما بمركز القرار عند رأس النظام الذي كان قادرا في ظل سلطة الأسد الأب على الإمساك به واللعب عليه، وهو أمر لم يعد متوفرا مع مجيء بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، نتيجة عوامل متعددة، كان أبرزها التحديات الداخلية والخارجية، التي أخذ يواجهها نظام الأسد الابن، كان أبرزها نمو حركة المعارضة الداخلية، وتحديات الوضعين في العراق 2003 ولبنان 2005، وكلها أخذت تطرح مستقبل نظام الأسد على طاولة البحث، والأمر صار حقيقة بصورة أكبر مع اندلاع ثورة السوريين ضد النظام الاستبدادي والقمع. لقد بدا من الطبيعي، أن تتقدم إيران لمساعدة حليفها نظام الأسد في مواجهة ثورة السوريين، ليس فقط بسبب الإرث العميق من العلاقات المشتركة، ولا بسبب المصالح المشتركة، بل أيضا بسبب ما تملكه إيران من أهداف استراتيجية، تتوفر لديها قدرات وإمكانيات، يمكن أن تساعد الأسد في حربه ضد السوريين، وتبقيه على رأس سلطة مهددة بالسقوط. ووسط ذهاب النظام إلى الحل الأمني – العسكري في مواجهة السوريين، قدمت إيران خبراتها وقدراتها لنظام الأسد، عبر ثلاثة خطوط؛ أولها خط الخبرات والخبراء، وفي هذا الخط تم إرسال خبراء عسكريين وأمنيين وخبراء في التكنولوجيا بما فيها تكنولوجيا الاتصالات. والخط الثاني، كان وضع إمكانات إيران السياسية والاقتصادية والعسكرية وعلاقاتها في خدمة نظام الأسد، وكله مكرس في مواقف وعلاقات إيران الخارجية ومنها التأثير الإيراني على روسيا، وهي بين أكبر شركاء طهران، وفي هذا السياق يمكن التوقف عند المساعدات التي قدمتها إيران لنظام الأسد في السنوات الأربع الماضية، والتي شملت هبات مالية وأسلحة وقطع غيار وتسديد فواتير عسكرية، وتقديم سلع استراتيجية بينها النفط، ومساعدات غذائية. أما الخط الثالث فيما قدمته إيران لنظام الأسد، فقد كان دعما بشريا مسلحا، تجاوز موضوع الخبراء إلى إرسال وحدات عسكرية منظمة من قوات الحرس الثوري مرفقة بأسلحتها وذخائرها، والحد المؤكد لهذه القوات يتجاوز خمسة آلاف جندي، شاركوا بعمليات على مختلف الجبهات، ومنها المعارك الأخيرة في جبهة درعا - القنيطرة. ورغم أهمية ما قدمته إيران من دعم بشري مباشر لنظام الأسد، فقد كان دفعها لحلفائها من ميليشيات تتبعها للذهاب إلى سوريا، هو الأكثر أهمية، إذ دفعت حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية وتشكيلات شيعية من دول أخرى لانخراط عميق في الحرب ضد الشعب السوري، وسجلت السنوات الثلاث الماضية حضورا قويا للميليشيات الشيعية على جبهات الحرب في دمشق وريفها وفي القلمون وحمص ودرعا وحماه وحلب. لقد غرقت إيران في سوريا بفعل خططها الاستراتيجية، وما مارسته من سياسات، وما قامت به من خطوات وإجراءات، وتحولت إلى جزء عضوي في الصراع القائم، ولم يعد من الممكن إخراجها من عمق الوضع السوري، إلا بخروج النظام نفسه، بمعنى أن خروج إيران، لن يتم طالما بقي نظام الأسد، وأن ذهاب الأخير سيكون مقرونا بنهاية الوجود الإيراني في سوريا.