العبرة في الحياة تؤخذ من التجارب والمواقف التي تسجلها السنين وتشهدها الأجيال في كثير من مناحي الحياة، وعليها تبنى المواقف ويسير على خطاها من أراد العظة وسلك منهجها ودروبها. فهذان أبوان أحدهما دلل ابنه، وقال له «أنا تعبت وكونت ثروة ضخمة، وأنت عليك أن تعيش في نعيم ورغد وترتاح»، فقام ابنه بشراء سيارة فيراري وراح يعبث هنا وهناك دون أن يعبأ بهموم الحياة، وفي الثانوية العامة كانت نتيجته الرسوب، فلم يتذمر الأب، بل أكد له أنه سيشتريها له هي والشهادة الجامعية وذلك بطرق ملتوية.. وظل هذا الابن دون عمل أو وظيفة، بل كان كل همه أن يصرف من كنوز أبيه الذي مات وترك له كل شيء، وسافر الابن إلى أغلب دول العالم على سبيل السياحة والترفيه وينفق في كل شيء استهوى نفسه، واشترى قصورا ومزارع وصرف كل الأموال التي ورثها وباع كل شيء يمتلكه بعدها ليموت في النهاية فقيرا. أما الأب الآخر، فقال لابنه: أنا لن أبخل عليك وأدخله أفضل المدارس واشترى له سيارة ممتازة من نوع مرسيدس، وكان له بالمرصاد يتابع مستواه التعليمي، ويرصد شهاداته ودرجاته وكل شؤون حياته، تغضبه درجاته لو تناقصت، وتمكن ابنه من النجاح بتفوق ودخل أفضل الجامعات بأمريكا وحصل على البكالوريوس والماجستير بامتياز.. وبعد الرجوع لبلده طلب من والده العمل معه في أشغاله، إلا أن الأب عرض عليه طريقين بأن يبحث عن عمل، أو أن يشاركه في مشروع ما بالمناصفة ويدخل بمجهوده وفكره والتمويل عليه، فقبل الابن العرض وأصبح رجل أعمال كبيرا، أما أخوه فالتحق بوظيفة مرموقة وأصبح رئيس أكبر شركة مساهمة في بلاده، والتحق بهما أخوهما الثالث وتفوق وارتقى في عمل حكومي وأصبح وزيرا. الشاهد في هذا الأمر، يا سادة، أن «الأب مثله مثل الدولة»، فهي الأخرى إذ ما سارت على نهج الأب الواعي الحكيم، فلا تعد أحد بوظائفها بالمهام الكبرى إلا للمجتهدين وأصحاب الكفاءات المتفردين في علومهم ومجالاتهم، حيث يستفاد منهم، فهم من محبي التطوير والابتكار.. وفي الجانب الآخر يتجه باقي الخريجين نحو القطاع الخاص، وأيضا يمكن أن يتم منحهم قروضا للمشاريع الصغيرة.. وتشجيع الشباب على الاستثمار والعمل في القطاع، حيث كونه محكم الغطاء ويكون فيه الالتزام مرصودا من قبل أرباب العمل ومن يثبت عدم التزامه خلال تنقله في المواقع ستضيع منه الفرصة، وهذا النظام متبع في أمريكا، حيث يتم تتبع المتقدمين للوظائف بالبحث عنه عن طريق social security لمعرفة تاريخه الوظيفي الذي يحدد قبوله أو رفضه. ونستذكر في هذا الأمر موقفا عظيما سجله التاريخ وأخذت منه الأجيال العبر والعظة، وهو «حرق السفن» على يد طارق بن زياد ليتمكن جيش المسلمين من التحدي والوقوف في وجه جيش لذريق ودحره وفتح الأندلس، ولقد ذكرت ذلك في جامعة London Business School خلال ماجستير الأعمال، وقد أبهرهم هذا الموقف، وأكدوا أنه لا بد أن يسجل بمناهجهم ويدرس بالجامعة؛ لما في لأمر من أهداف سامية. أيضا لا بد من التحرر من الاعتقاد السائد أنه يجب إرضاء الشعب وتوفير سبل الراحة له لكي لا يشعر بمؤرقات الحياة في ظل الخيرات التي تنعم بها البلاد.. ولكن يجب التعامل مع المجتمع بطريقة عصرية تستنشط قواه الفكرية وتوظيفها في مواضعها، وذلك بمنهجية السمة الغالبة فيها هي البناء البشري وخلق مجمتع منتج فعال.. فلا بد في البداية من نشر التوعية وسط أفراد المجتمع لتقبل هذا الفكر والإبحار في معناه.. لتكون الصدارة للكفاءة والخبرة والمهنية والإبداع والنظرة المستقبلية التكاملية، وصنع رؤية اقتصادية واضحة من خلال السهر على التخطيط وتحديد الأهداف وتطبيق الاستراتيجيات لحل مشاكل التنمية وفق جدول زمني محدد يهدف إلى تحويل البلد إلى قوة اقتصادية وتجارية عالمية.