بحلول مغيب يوم غد السبت 23 جمادى يكون عرس الوطن الثقافي قد انقضى، في وعد بالتكرار بعد عام من تاريخ الانتهاء. عشرة ايام كانت من اروع ما يمكن ان يحدث في وطننا وهو تداول الكتاب وما يؤدي له من تداول المعرفة وازدهارها، في ما يدور على هامش المعرض برنامج ثقافي من محاضرين تم اختيارهم بدقة بحيث يتم توزيع ضيوف المحاضرات على مناطق المملكة وعلى الجنسين قدر المستطاع. كان امام لجنة البرنامج الثقافي والمنوط بها ان تختار عناوين المحاضرات والمتحدثين بالإضافة الى مهمتها تلك اقتراح الدولة الضيف على معرض الرياض الدولي للكتاب. تم طرح خيارين احدهما دولة جنوب افريقيا وكان الاختيار للدولة الأولى. لكن لماذا تم اختيار دولة جنوب افريقيا؟ لجنوب افريقيا تجربة ثرية وواقعية في كيفية التعايش بين مكونات المجتمع الجنوب افريقي بعد انهيار نظام الفصل العنصري الذي كان سائداً لعشرات السنين. كانت الأقلية البيضاء المتحدرة من المستعمرين الهولنديين والتي ورثت الحكم عن المستعمر الإنجليزي والتي كانت نسبتها الأقل من بين المكونات الأخرى حوالي 8%، تحكم سيطرتها على ثروات جنوب افريقيا المشهورة بينما يمثل القادمون من شبه القارة الهندية 12% اما السواد الأعظم فقد كان من السود الأفارقة وكانوا يمثلون ما يقارب 80% من شعب جنوب افريقيا. بعد اطلاق سراح الزعيم الراحل نيلسون مانديلا من سجنه الذي دام 28 سنة تحت ضغوط دولية دامت سنوات عديدة تم خلالها مقاطعة نظام الفصل العنصري من جميع دول العالم تقريباً في ما عدا اسرائيل، بدأ النظام العنصري يتهاوى، واوشكت البلاد ان تدخل في حرب اهلية طاحنة، فالسود كانت تدفعهم روح انتقامية جراء سنوات طويلة، وكان البيض، ذوو الأصل الأوروبي، يملكون سبل القوة والمال، وكان لحرب اهلية لو نشبت ان تكون طاحنة لا تبقي ولا تذر. في تلك الأثناء بدء بعض من ينتمي للمكون الأبيض بالهجرة إلى بلادهم الأصلية وبذلك كانت تفقد جنوب افريقيا النخبة المثقفة وذات المهارة لأن السود في غالبهم كانوا في فقر مدقع وجهل كبير بسبب ظروف الحصار العنصري ضدهم. حكمة الزعيم نلسون مانديلا اجهضت ذلك المستقبل المظلم للدولة وبسبب قيادته المعنوية قبل السياسية استطاع ان يعقد ما عرف بالمصالحة الوطنية حيث عقدت ما يشبه الجلسات لذوي الضحايا مع المتنفذين في الأمن وكان ان تم ما يشبه الاعتراف بالجريمة من قبل الضالعين في قهر المكون الاكبر بينما كان ذوو المظلومين ومنهم من اختفى قسراً او قتل تحت التعذيب يستمعون لتلك الاعترافات بين دموعهم الغزيرة، لكن في النهاية وبتلك الطريقة التي تشبه طريقة الاعتراف الكنسي المشهورة في الدين المسيحي تمت عملية مصالحة انسانية تاريخية بين الجلاد والضحية. كان لاختيار جنوب افريقيا ضيفا لمعرض الرياض الدولي للكتاب لهذه السنة هدف رمزي واضح فالمنطقة تمر فيما يعتبر اسوأ حقبها التاريخية حيث تستعر الحروب بين مكونات تعايشت على مر السنين وتوشك المنطقة الى التحول بشكل كامل الى اتون حرب طوائف ومكونات قبلية واختيار هذه الدولة التي لها مثل هذه التجربة الثرية التي يشهد لها العالم بأسره قد يوقظ الحواس وينبه الى امكانية ان يعم السلام مهما كان عمق الأحقاد. قاص وروائي