التطور سُنَّة كونية، وتبدل الأحوال من خصائص المجتمع البشري، ودليل على نمائه، ووسيلة لديمومته، ولولاه لما تجاوز الإنسان حدود الكهف في مسكنه، ولما تطورت مقومات حياته، التي تميزه عن سائر الكائنات، فمن ملبسه الذي يكاد لا يستر عورته، وآنيته الحجرية التي ابتكرها من عظام الحيوانات النافقة، وأثاث مسكنه الذي لا يتعدى بعض حشواتٍ من ليف، ومشطه الخشبي لزينته، إلى ما يتمتع به اليوم من ملايين المنتجات الصناعية، التي ابتكرتها قريحته، يدفعه نحو ذلك طموحه الذي لا يحدُّ للارتقاء بذاته، وتوفير سبل عيش متوائمة مع كرامته. إن تحقق التطور في أي مجتمع هو نقلة حضارية لا تأتي مصادفة، بل يبدعها بنو البشر أنفسهم، لكنها تتطلب سعياً حثيثاً، وعقلاً مفكراً، وإرادة صلبة، وهدفا نبيلاً، وتخطيطاً إستراتيجياً من كافة مكونات المجتمع، أفراداً، وجماعات، شريطة أن يتهيأ لهم قيادة نوعية، تدرك مسؤولياتها تجاه أرضها، ومجتمعها، وترى أن ركود الحياة في أي مجتمع يعني فناءه، وأن بناء قاعدة صلبة لواقع متحضر ينطلق من الإيمان بأن الثروة الحقيقية تكون أولاً بالاستثمار في طاقاتها البشرية، لذلك تأتي تشريعاتها، وقوانينها داعمة لتوجهها، ومحفزة الجميع، كلٌّ في اختصاصه، على المشاركة الفاعلة. إن إدراك الفرد الحكمة من وجوده في جماعة بشرية، ومن استقراره في نطاق جغرافي محدد، هو أساس في إحداث التحول الإيجابي المنشود المتَّسق مع خصائصه الإنسانية، وهذا الوعي هو الذي يصنع التأثير الخلاق الذي سوف يؤتي ثماره ولو بعد حين. إن كانت كل المجتمعات البشرية متساوية في الهبات، والعطايا الإلهية، فإننا كمجتمع مسلم نتميز بخصائص لا توجد لدى غيرنا، وهي كثيرة، لكن أهمها أن قرآننا شرح الحكمة من وجود الإنسان على الأرض، وعليه فإن مسؤولياتنا تجاه عمارة الأرض جسيمة لأنها تستوجب منا إيماناً راسخاً، وعلماً واسعاً، وعملاً دؤوباً.