×
محافظة المنطقة الشرقية

الحوثيون يجرون تدريبات عسكرية قرب الحدود اليمنية السعودية

صورة الخبر

أحيانا تمر علينا قصص لبعض الأفراد ممن هم في دائرة حياتنا، قد يكون فردا من الأسرة أو زميل عمل أو طالبا، أو أحد أفراد الجيران، قصص تجعلنا أحيانا نتوقف عندها في حيرة، هل هي فعلا حدثت؟ كل المؤشرات تدل على عدم إمكانية تقبل العقل والمنطق لما يتم سرده من قبل الفرد، ولكنه بالوقت نفسه يتحدث بكل ثقة وإيمان بأن ما يقوله هو الحقيقة! المهم هنا أن التأثيرات على سلوكيات الفرد تشير فعلا إلى أن شيئا ما حدث، لكن ما هو؟ كيف نتصرف إن كانت الدلائل تشير إلى أن الفرد لم يكن قد ولد أصلا، أو أن يكون شاهدا على أمر لم يعشه؟! انشغل علماء النفس في ماهية الذاكرة، وأخبرونا كيف أن من أسباب توتر الفرد أو السلوكيات غير السوية، قد تكون خبرات مأساوية أو عاصفة مرت به وهزته لدرجة أنه اختزنها في العقل الباطني، فلا يتذكرها وبالتالي يتصرف على أنها لم تحدث.. مثال الفتاة التي تعرضت للاغتصاب ولكنها لا تتذكر كيف وأين ومن الذي قام بذلك، عقلها رفض الأمر لدرجة أنه دفعه إلى أعماق ذاكرتها حيث لا تستطيع أن تسترده، إلا بمساعدة الطبيب المختص.. وهنالك أيضا من قام بفعل شائن ترفضه أخلاقياته وقيمه وتنشئته الدينية، فيتصرف أيضا على أن الأمر لم يحدث، كمن يقوم بجريمة قتل ثم يتصل بالشرطة ويتصرف على أنه وجد الجثة وليس له أي علاقة بالجريمة، رفض عقله للحدث يجعله مؤمنا تماما أن من قام بذلك شخص آخر! ولكن ماذا عمن يتذكر ويتحدث ويتصرف على أن شيئا ما قد حدث له أو أمامه، ويصفه بكل دقة وكأنه يعيشه في اللحظة ذاتها؟ بل هنالك من يتذكر أو يعتقد أنه يتذكر أشياء لم تحدث ولكنها ظهرت عن طريق الإيحاء أو زرع ذاكرة جديدة داخل عقله، فيؤمن تماما بها، ويبدأ بالتصرف بناء على نتائجها! في المجتمعات الغربية مثلا كثير من القضايا أثيرت في ساحات القضاء بنيت على تذكر فرد ما بأنه تعرض للاغتصاب أو التحرش في طفولته من أحد أفراد الأسرة أو معلم أو كاهن، المهم أنها ذاكرة لم تكن لتظهر لولا وجود وسيط ما أوحى إليه أنه تعرض لشيء ما في طفولته جعله يعيش في حالة توتر وخوف وربما غضب وكراهية ولا يعرف المصدر، وبعد فترة يتم كشف أن كل ذلك لم يحصل بالأدلة القاطعة! بل إن هنالك شهود إثبات اكتشفوا فيما بعد أنهم لم يكونوا في مكان الجريمة أو حتى قريبا منها، وأيضا هناك من اعترف بجريمة لم يقم بها أصلا لأنه بسبب الضغوط التي تعرض لها خلال التحقيق والمحاكمة، صدق فعلا أنه قام بالجريمة ووقع الاعتراف، ولكنه بعد فترة وعندما انتهت كل الضغوط عاد إليه الهدوء وتبين له أنه لم يقم بذلك، منهم من أصر على براءته وتابع إلى أن حصل عليها، ومنهم من لم يستطع لأن الاعتراف وقف حائلا دون ذلك! لتفسير تلك الظاهرة توصل علماء النفس إلى ما يسمى بـ"الذاكرة الوهمية"، تحدث عادة لمن يعاني من ظواهر الخلل النفسي مثل التوتر والاكتئاب والاضطراب النفسي والهستيريا، كأن يتم إيحاء حدث ما للمريض، فيسارع عقله إلى تكملة أحداث وتفاصيل تتحول فيما بعد إلى ذكريات، فيتم خلط الواقع بالخيال، ولقد وجد الباحثون أن نسبة غير قليلة من الناس يمتلكون ذكريات لأمور لم تحدث... كم فرد منا اكتشف بعد فترة أن حدثا ما في الطفولة، أخبرته عنه جدته أو إحدى القريبات، لم يكن معه بل مع ابن الجيران أو أحد أفراد أسرته؟ أو أن أمرا ما حدث في القرية أو الحارة وتحدث عنه الجميع لفترات طويلة بالتفصيل والتكرار لدرجة أن الطفل خزن المعلومة في ذاكرته على أنه كان شاهدا عليها وهو لم يكن قد ولد أصلاً! وهنا نستطيع أن نفسر قصصا كثيرة نجد أن من يحدثنا مؤمن تماما أنها حصلت له! كمن تتحدث على أن جدتها قامت بسحرها لأنها تكره أمها، ولهذا خسرت الكثير من شعرها ووزنها، ومن أقنعها بذلك؟ وأخرى تتهم الخادمة بأنها قامت بسحرها لتمرض وتعيش حالات ما يشبه الصرع مصاحب بالصداع أو مظاهر متفرقة تجعلها تعيش فترات ألم، ومن الذي أوحى لها بذلك؟ وأخرى كانت مؤمنة تماما بأنها تعرضت لحالة اغتصاب ورفعت قضية على أحدهم ليكتشف فيما بعد أنها لم تمس وهي سليمة، ومن الذي أوحى لها بذلك؟ ما أريد قوله هنا أن هنالك من يستغل حالات الضعف أو المرض التي تمر بالمراجعين لهم ليتم زرع ذاكرة وهمية بداخلهم، وبذلك يتم التحكم، وتستمر المراجعة، والدفع والمصاريف المرافقة طبعا! وفي الكثير من الأحيان تجد أنه من الصعب إقناع الضحايا أن ما يحدث لهم ليس سوى وهم يمكن التخلص منه! بفضل العلم نعرف اليوم أن بعض الحالات ليست سوى نتاج عمليات إيحاء تمت من خلالها ترسيخ أوهام في العقل الباطن فعدتها الضحية حقائق، يصعب محوها فيما بعد من الذاكرة، في حالة رفض الضحية نفسيا العلاج! ولكن كيف نعرف ما إذا كانت هذه الذاكرة وهمية أم حقيقة؟ هذا ما ننتظر العلم أن يوضحه لنا مع تقدم الأبحاث والدراسات، ولكن كل ما نستطيع أن نفعله هو ألا نتعامل مع القصص كأنها حقيقة مطلقة أو كذب واضح، بل يجب أن نتحقق من الأمر إن أمكن، وذلك حسب إمكاناتنا وتخصصاتنا، وهذا بالطبع في حالة رغبنا في المساعدة، المهم ألا ننفر ونقترب لنصغي ونفهم، ونعود معهم للمصدر، لمن ساعدهم على التذكر أو من أخبرهم أنه اكتشف "بطريقته الخاصة" أن ما يعانون منه كان لهذا السبب أو لذاك، قد نكتشف في الكثير من الحالات أنها كانت مجرد إيحاءات تم غرسها في ذاكرة الضحية! هنا دورنا يكون بمواجهة الجاني وملاحقته قضائيا، ومساعدة الضحية عن طريق التواصل مع الأخصائيين في مجال الطب النفسي.