قال عبد الباري مشعل، رئيس مجموعة رقابة للاستشارات المالية الإسلامية، إن السوق الأمريكي هي الأضعف بين أسواق الغرب على صعيد التمويل الإسلامي بسبب عدم وجود اهتمام سياسي بها، مضيفا أن المسلمين بالغرب يرفضون بغالبيتهم "فقه الأقليات" وفتاويه المتساهلة، ولفت إلى تباينات قد تظهر في دول المغرب العربي بسبب سيادة المذهب المالكي، متمنيا ظهور اتجاه ثالث في التمويل الإسلامي بعيدا عن ماليزيا والخليج يخرج من إطار ما قال إنها "أدوات سيئة السمعة." وقال مشعل، في مقابلة مع CNN بالعربية، إنه تعرف على السوق الأمريكية التي هاجر إليها قبل عام ونصف، وبدأ العمل مع الشركات الإسلامية الموجودة ودخل في أول عقد له مع أقدم شركة إسلامية بالبلاد وهي "بيت التمويل الأمريكي"، "لاربا" الذي يعمل بأمريكا منذ عام 1987 للقيام بالتدقيق الشرعي والاستشارات الشرعية وتقديم خدمة المطابقة. وأقر مشعل بضعف سوق التمويل الإسلامي بأمريكا مقارنة بالدول الغربية الأخرى التي أخذت خطوات عملاقة على هذا الصعيد قائلا: "السبب الرئيسي في ضعف السوق الأمريكية هو عدم وجود قناعة أو اهتمام في الكونغرس أو أحد من السياسيين الأمريكيين بالقضية، الاهتمام منحصر في الجالية الإسلامية بينما الحكومة ما زالت غير مهتمة به.. حتى أنني تفاجأت بحجم سوق التمويل الإسلامي فلم أجد الإقبال الجماهيري أو الاهتمام الحكومي اللازم بالمقارنة بأوروبا وبريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص، حيث كان الاهتمام حكوميا تقريبا." واستبعد مشعل أي تأثير للفتاوى الخاصة بـ"فقه الأقليات" والتي يجيز بعضها الاقتراض بفائدة على وضع المصرفية الإسلامية في أمريكا، قائلا إن التأثير – بحال وجوده – هو عكسي، إذ أن المسلمين بأمريكا يبتعدون بشكل كبير عن كل ما يريبهم على المستوى الشرعي مضيفا: "الجالية هنا تبحث عن البديل الإسلامي بشكل كبير، وبالتالي فحتى الشركات الإسلامية المحدودة العدد، والتي لا تزيد عن أربع أو خمس شركات، فإن الكثير من أفراد الجالية غير مقتنع ببعض سلوكياتها وببعض ما يشاع عنها ويحجم بالتالي عن التعامل معها بسبب شائعات." ورأى مشعل صعوبة وجود أي مؤشر على صدور قوانين خاصة بالمصرفية الإسلامية في أمريكا قائلا: "لا يوجد أي مؤشرات في الأفق القريب والمتوسط لوجود أي توجه هنا في أمريكا باتجاه توسيع التمويل الإسلامي على مستوى معين، أو إصدار صكوك على مستوى الحكومة." وعن سوق شمال أفريقيا والمغرب العربي التي تعمل فيها "رقابة" بنشاط واضح قال مشعل: "سوق شمال أفريقيا نشطة للغاية، وخاصة من خلال التأهيل الأكاديمي، وجميع الجامعات ترغب في تقديم برامج أكاديمية للتمويل الإسلامي، والجمهور أو الشرائح المستفيدة تميل إلى الحصول على منتجات مالية إسلامية والبنوك ترغب في الدخول بالقطاع بالكامل أو على مستوى نوافذ والجميع يضغط باتجاه إصدار قوانين خاصة بالتمويل الإسلامي في تونس والجزائر والمغرب." وأشار مشعل بشكل خاص إلى دور تونس على هذا الصعيد قائلا: "تونس هي نقطة ارتكاز للمغرب العربي ونقطة انفتاح للمنطقة الأفريقية، ولذلك حاولنا جعلها مركزا إقليميا لشركة رقابة في هاتين المنطقتين فسوق المغرب العربي بوضعه القوي بحاجة لخدمات استشارية كبيرة، وأفريقيا سوق فيها العديد من النشاطات الإسلامية، ولكنها تفتقد إلى المصداقية والتأصيل الشرعي، وهي موجودة فقط بمسمياتها، فأحببنا أن نعد أنفسنا لدخول السوق الأفريقية وخاصة الدول القريبة من شمال أفريقيا، والتي تتحدث أيضا بالفرنسية، ويساعدنا في ذلك فريق علمنا في تونس الذي يتحدث أيضا الفرنسية." وأقر مشعل بوجود قضايا قد تثار في دول المغرب العربي عند تطبيق المصرفية الإسلامية نظرا للاختلاف المذهبي مع دول أخرى رائدة في هذه الصناعة بالخليج وماليزيا قائلا: "في دول المغرب العربي يسود المذهب المالكي، وله خصوصية كبيرة لدى الجمهور وأهل الرأي والجمهور، ففي المغرب المذهب المالكي هو المذهب الرسمي، وربطت الفتوى الخاصة بالبنوك الإسلامي بالمجلس الإسلامي الأعلى الذي هو المصدر الأوحد للتشريع في المغرب، وبالتالي فستكون المصرفية الإسلامية مرتبطة بالمجلس وبالمذهب المالكي، أما في تونس فالفتوى مرتبطة بالمفتي الذي بدوره يتبع المذهب المالكي." وأضاف: "هذا أمر يختلف عن الهيئات الشرعية في المنطقة الخليجية التي يظهر فيها تأثير مدارس متعددة مثل المدرسة الحنبلية التي هي إحدى المدارس السائدة، ولكن الخليج منفتح على مختلف المدارس الفقهية، وهذا بالتالي فارق مهم قد يؤدي ربما إلى الحد في المغرب العربي من انتشار الصيغ التمويلية المتوفرة في الخليج، هذا الأمر سيكون له أثر." وشرح مشعل سبب عدم اتفاق فقهاء المصرفية الإسلامية على الاعتراف بشرعية العقود القائمة في المذاهب الأخرى بالقول إنه متعلق بالتأثير الرسمي والبعد المصلحي الذي تراه السلطات، وكذلك ارتياح الجمهور للفتوى، ورأى أن هذه القضية تفتح الباب على السؤال حول توحيد المعايير المصرفية الإسلامية على مستوى الإقليم أو العالم، مؤكدا أن القضية مطروحة أمام مؤتمر "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" في 22 مارس/ آذار الجاري. وعن الشكوك في شرعية بعض المنتجات في السوق وفقدان الرقابة السابقة واللاحقة على الطرح رد مشعل بالقول: "الحقيقة أن هناك فجوة بين شريحتين من المؤثرين شرعيا، وهم الموجودون داخل الهيئات الشرعية والموجودون خارجها، والشريحة الثانية قد لا تستوعب أحيانا كل تفاصيل العملية الشرعية وقد تستنكر بعض المنتجات من وجهة نظر لا تستند إلى مستندات متكاملة أو تتعلق فقط بظاهر المنتج أو تختلف معه فقهيا." وأضاف: "جميع المنتجات الإسلامية المطروحة في السوق قد يحصل الاعتراض عليها من وجهتي نظر، الأولى هي عدم الاتفاق الفقهي، وهذا خلاف فقهي معتبر ولا إشكال فيه، لأن علينا جميعا تقبل الخلاف الفقهي في ظل عدم وجود معايير موحدة نحتكم إليها، الأمر الآخر هي الخدش في مصداقية التطبيق وانسجامه مع الرأي الشرعي، وهذا علاجه من خلال التدقيق الشرعي.. بالتالي عندما يكون التدقيق الشرعي فاعلا فإنه كفيل بوضع الشائعات عند حدها." وعن نظرة المراقبين إلى المصرفية الإسلامية بوجود هيكلين منفصلين الأول في الخليج والآخر في ماليزيا رد مشعل بالقول: "الأمر كذلك بالفعل، والتأثير الرئيس في ذلك هو تدخل السلطة الماليزية على صعيد البنك المركزي.. أما التجربة الخليجية فتفتقد إلى التوحيد." وختم بالقول: "أشير إلى نقطة أخرى وهي أن التجربة الماليزية تذهب بعيدا عن نظيرتها الخليجية بإجازة العينة، والعينة هي خطوة متقدمة عن التورق، المدرسة الخليجية يستشري فيها التورق المنظم الذي يهدف لتوفير السيولة كبديل للتمويل التقليدي، فالمدرستان فيهما نوع من التقارب وهو سيطرة الأدوات سيئة السمعة على أدوات توفير وإدارة السيولة.. أتمنى أن تجد المؤسسات الداعمة على مستوى الصناعة فرصة لأدوات تنقل التجربة من هاتين المدرستين إلى مدرسة ثالثة تكون أكثر بعدا عن هذه الأدوات سيئة السمعة التي هي التورق والعينة."