×
محافظة المنطقة الشرقية

جرائم «داعش» تغير لون زي عمال النظافة في الأردن

صورة الخبر

يُقال: إن المعطي يشعر بسعادة غامرة تفوق تلك التي يشعر بها من أخذ أو أُعين . لو أردنا أن نبحث عن تفسير لهذه السعادة التي تتملك المعطي أكثر من المعطى إليه لوجدنا تفسيرات كثيرة أقواها ما يرتبط بالدين فهو الذي وجهنا للعطاء وبيّن لنا سبله ودعانا لتذوق لذته وانتظار نتائجه، وأكثرها حضوراً في نفوسنا مرتبط بأسباب تقديم العطاء في لحظة ما أبرزت لنا حاجة ما لأحدهم قد تنبئك بذلك نظرة أو موقف يجعلك تبادر إلى تصرف ما، وليس بالضرورة أن تمد يدك إلى جيبك لتعطي، فللعطاء صور كثيرة. وما إنفاق المال إلا واحداً منها، وهذا يتضح أكثر في الحديث النبوي الصحيح (وإن أحب الأعمال إلى الله؛ سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً أو تقضي ديناً، أو تطرد جوعاً)، سمعت من إحداهن حكاية أحببت أن أنقلها لكم لتلتمسوا منها فائدة ما، تقول: كنت في المطار مرهقة وأشعر بالجوع فدخلت قاعة للطعام واشتريت ما اشتهته نفسي، وبقي معي بعض المال من عملة الدولة التي كنت فيها نظرت إليه وتساءلت مَنْ أعطيه ؟ ولما كان من الصعب أن أجد محتاجاً في المطار صرفت النظر عن الأمر وأعدته لمحفظتي. بعد وقت قليل، جاء رجل يبدو عاملاً بسيطاً وطلب وجبة ما، فقالت له البائعة سعرها، فأخذ يقلب المال بين يديه ومن ثم عرضه عليها وكأنه يستعطفها أن تقبل به فقالت له بأسلوب غير مهذب لا لا هذا لا يكفي، فسألها عن سعر علبة مشروبات غازية هنا بدأ الموقف يذكرني بموقف مماثل حصل أمامي منذ ما يزيد عن عشرين عاماً حينها منعني خجلي من المبادرة وحسن التصرف، ولهذا مازال ذاك الموقف يؤلمني ويوقظ الحزن في نفسي رغم مرور كل تلك السنوات لأني لم أمد يد العون حينها لرجل معتمر وقف أمام عربة لبائع السمبوسة التي سأل عن سعرها ثم أخذ يقلب الريالات القليلة بين يديه فوجدها لا تكفي فأكمل مسيره ولم يأخذ معه شيئاً منها وكنت أنا بجواره وأردت أن اقترب منه وأشتري له ما يريد، ولكنني خجلت وخفت من جرح شعوره، وما زلت أندم على ذلك. هنا قفزت من مكاني وطلبت من البائعة أن تعطيه ما يريد، وأحاول ألا أنظر إلى الرجل حتى لا أتسبب في إحراجه، وهو بالفعل كان محرجاً يتحاشى النظر إليّ، حتى عندما عدت وجلست في مكاني ومر من أمامي يحمل صحنه ولم ينبس بحرف، فأكل الرجل وشبعت أنا؛ شبعت من شعور غامر بالفرحة، لعله يداوي شعوري المزمن بالندم مع ذلك الرجل. كنت أسمع ما تحكيه واسترجع الحديث السابق، وأنا أتأكد من حقيقة معانيه، فإذا كان العطاء من أحب الأعمال إلى الله، فهذا لأنه- عز وجل- يعلم بعظيم الأثر له في نفس المحتاج، للعون أياً كان نوعه، وللمعطي نفسه حين يرى أثر عطائه على الآخر، حتى ولو لم يسمع كلمة شكر واحدة، لأن شعوره يغنيه عن كل ذلك، فأن يكون هذا العمل محبوباً عند الله فذاك أقصى ما نبتغيه، لأننا نؤمن ونصدق كل التصديق، أن الله سيعطينا أضعافه وبصور شتى. (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، هلا تأملتم صور العطاء التي تعددت في الآية السابقة، وهلا تأملتم بماذا يفوز المعطي أياً كان نوع عطائه... إنه حب الله. فأي فوز قبل ذلك أو بعده؟ وما بال بعضنا يتجنب هذا الفوز بكل ما أوتي من قوة، حين يقبض يديه أو يتقاعس عن العون لأي سبب كان. عضو هيئة التدريس بجامعة الدمام