خيمت قضايا فلسطين والأمن القومي العربي والأوضاع في سوريا وليبيا واليمن والأعمال التخريبية التي يقوم بها تنظيم داعش ومشتقاته من التنظيمات الضلالية، على جلسات وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعات الدورة الحالية والإعداد للقمة العربية التي سوف تستضيفها مصر قبل نهاية الشهر الحالي. وانعكست هذه القضايا على نحو خاص في حديث وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري الذي شارك للمرة الأولى في هذه الاجتماعات، كما شدد الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي على أن المطلوب الآن، وبإلحاح، هو النظر في إنشاء قوة عسكرية أمنية عربية مشتركة تكون متعددة الوظائف قادرة على الاضطلاع بما يعهد إليها من مهام في مجالات التدخل السريع لمكافحة الإرهاب وأنشطة المنظمات الإرهابية، والمساعدة في عمليات حفظ السلام، وتأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية وتوفير الحماية للمدنيين، إضافة إلى التعاون في المجالات ذات الصلة بحفظ الأمن وتبادل المعلومات بين الدول العربية التي أصبح عدد منها في حاجة ماسة لمثل هذه الآلية لمساعدة حكوماتها على صيانة الأمن والاستقرار وإعادة بناء قدراتها ومؤسساتها الوطنية. وأكد العربي، في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للدورة العادية 143 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري برئاسة الأردن، أن اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق ذلك مناط بالدول الأعضاء صاحبة الحق السيادي الذي لا نزاع فيه باستخدام القوة المسلحة للدفاع عن أمنها وسلامتها الإقليمية بالطريقة التي تتفق ورؤيتها لمصلحتها وواجباتها الوطنية والقومية، في إطار أحكام وقواعد القانون الدولي. وأشار إلى أن القرار السياسي باللجوء إلى استخدام تلك الآلية العسكرية والأمنية المشتركة المشار إليها، يتعين أن يكون وفقاً لأحكام ميثاق الجامعة والمعاهدات والاتفاقيات والقرارات العربية، وبما يتسق أيضا مع أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة وقواعد القانون الدولي، كما أن مثل هذا القرار لا بد وأن يتضمن تصورًا واضحًا للحالات التي يتم فيها اللجوء إلى استخدام مثل هذه الآلية المشتركة، وبما يضمن الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء واستقلالها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إلا في الحالات التي تتطلب ذلك وبناءً على موافقة الدولة أو الدول المعنية والتي يكون أمنها واستقرارها يتعرض للمخاطر وتطلب حكوماتها مساعدة أشقائها العرب. ويحدوني الأمل في أن يحتل هذا الموضوع الهام الصدارة في مداولاتنا في المرحلة القادمة.. وقال العربي: «إنه بانطلاق أعمال هذه الدورة الهامة، يباشر المجلس الوزاري أعمال التحضير الفعلية للقمة العربية المقبلة المقرر عقدها في 28 من مارس (آذار) الحالي برئاسة جمهورية مصر العربية في شرم الشيخ»، مشيرا إلى أن الرأي العام العربي والرأي العام الدولي ودوائر صنع القرار في مختلف الدول يتطلع إلى ما سوف يصدر عن هذه القمة من قرارات عربية جماعية تتناسب مع التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة، وفي مقدمتها ما يتعلق بتطوير آليات العمل العربي المشترك، وتفعيلها للانتقال بجامعة الدول العربية من مصاف الجيل الأول من المنظمات إلى مصاف الجيل المعاصر من المنظمات الإقليمية والدولية في أنظمتها التأسيسية وأساليب وآليات عملها. وأكد العربي على موقف الجامعة الداعم دائمًا للقيادة الفلسطينية وخياراتها الاستراتيجية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة تبني قرار نوعي جديد في مضمونه وينص بوضوح على آلية تنفيذية، وجدول زمني مُحدّد لعملية المفاوضات ومرجعياتها المتفق عليها، وتحت إشراف مباشر من مجلس الأمن، وذلك حتى تكون تلك المفاوضات مُجدية وذات مغزى وتؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وإقرار اتفاق نهائي حول جميع القضايا العالقة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. فيما أكد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أن الأخطار المحدقة بالوطن العربي وشعوبه تتطلب العمل الفوري والجاد لمواجهتها ودرء مخاطرها بهدف اجتثاثها وفي مقدمتها التنامي الخطير والمقلق لظاهرة الإرهاب والفكر المتطرف. وأكد جودة في كلمة له عقب تسلمه رئاسة الدورة العادية 143 على أهمية العمل الجماعي والفوري في إطار جامعة الدول العربية ووفق جهود منهجية عاجلة ومنسقة وشاملة عسكرية وأمنية وفكرية لمواجهة الجماعات الإرهابية وفقا للأطر القانونية التي يتيحها ميثاق جامعة الدول العربية واتفاقية الدفاع العربي المشترك، معتبرا أن بلاده كانت وستبقى في طليعة الصفوف في كل جهد يواجه الإرهاب. وتحدث جودة في هذا الصدد عن الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعانيها اللاجئون السوريون جراء هذا الاقتتال، موضحا أن بلاده تحتضن مليونا ونصف المليون لأجيء سوري، موجها الشكر للدول التي تقدم مساعدات من أجل توفير الاحتياجات الرئيسية لهؤلاء اللاجئين ومن بينها دولة الكويت التي احتضنت مؤتمرين للمانحين وتستعد لاستضافة الثالث قريبا. كما تحدث عن الأوضاع في العراق، مؤكدا ضرورة دعم الحكومة العراقية في التصدي للإرهاب وعلى رأسه تنظيم داعش، وكذلك في ليبيا، مؤكدا أهمية تعزيز الحوار بين مختلف الأطراف مع استبعاد من يلجأ منها للعنف والإرهاب. وأكد رفض التدخل الخارجي في الملف اليمني والعمل على دعم مسيرة الحوار الوطني تحت رعاية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمبادرة الخليجية ومضامين قرار مجلس الأمن الأخير حول اليمن والدعوة لتطبيقه. وبالنسبة للقضية الفلسطينية حذر جودة من أن غياب حل للقضية الفلسطينية التي هي جوهر وأساس كل التوترات في المنطقة تشكل عاملا قويا في ظهور الإرهاب والتطرف، وقال إن الأردن يعتبر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية هو تحقيق لمصلحة حيوية أردنية عليا، مؤكدا ضرورة التوصل إلى حل يعالج قضايا القدس واللاجئين والحدود والأمن وفقا للمرجعيات الدولية. ومن جانبها استعرضت فاطمة فال بنت الصوينع وزيرة خارجية موريتانيا نتائج رئاسة بلادها لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري للدورة 142 السابقة والظروف والتحديات التي تميز بها العمل العربي المشترك خلال هذه الفترة. وأكدت الوزيرة الموريتانية على ضرورة تضافر الجهود لمواجهة التحديات والأخطار التي تمر بها المنطقة العربية. وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن العالم العربي يواجه ظروفا استثنائية وتحديات غير مسبوقة، مؤكدا على ضرورة التعامل بقوة مع أخطر ظاهرة تهدد العالم العربي بصفة خاصة ألا وهي (الإرهاب)، وطالب بوحدة الصف وبذل الجهود للقضاء على الجهل، والفقر، وتفشي الأفكار الظلامية، «وكذلك العمل بشتى الطرق لترسيخ مفهوم الدولة المدنية وقيم المواطنة في مجتمعاتنا العربية». وأكد شكري ضرورة رفع الحصار عن قطاع غزة الذي يعاني من أزمة إنسانية طاحنة ينذر استمرارها باحتمالات تفجر الوضع مرة أخرى، مجددا دعوة مصر للمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لتتحمل مسؤولياتها تجاه الوضع الإنساني المتأزم في قطاع غزة باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال. كما جدد شكري الدعوة إلى الدول المانحة إلى الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها خلال مؤتمر «إعادة إعمار غزة» الذي عقد بالقاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأكد وزير الخارجية أنه لم يعد القبول بوتيرة التعاطي الدولي أو الإقليمي مع ما يدور في سوريا منطقيا، مشددا على أن الحاجة مُلحة للتعاون والتنسيق ولاعتماد تصور عربي يفضي إلى إجراءات جدية لإنقاذ سوريا وصون أمن المنطقة. وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يكون وقاية من سيطرة الإرهاب والتطرف في سوريا والمنطقة. وقال شكري إن «انعكاس ما يجري في ليبيا على مصر وأمنها لا يخفى على أحد، وقد شاهدتم جميعا ما لقاه عدد من المواطنين المصريين من مصير مأساوي على الأراضي الليبية مؤخرا، فما يحدث في هذا البلد الجار لا يمكن السكوت عليه بأي حال من الأحوال». وأعاد شكري التأكيد على موقف مصر، والذي كان واضحا لا لبس فيه في بياننا أمام مجلس الأمن خلال الجلسة المنعقدة مؤخرا بشأن تطورات الأوضاع في ليبيا. وأضاف شكري: «في الوقت ذاته ندعم بكل قوة الحلول السياسية المطروحة من قبل الأمم المتحدة بين القوى السياسية الرافضة للعنف والإرهاب». كما أكد على موقف بلاده من ضرورة تقديم كل أشكال الدعم للحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن. وأكد شكري أن «نجاح العراق الشقيق في إتمام الاستحقاقات الدستورية والتي تم تتويجها بتأليف الحكومة الجديدة يستدعي منا تقديم المساندة للخطوات الإيجابية التي شرعت هذه الحكومة في تبنيها بغية ترميم علاقاتها مع دول الجوار العربي». وقال شكري إنه لا يمكن الحديث عن التحديات التي تواجه الأمن القومي الجماعي دون التأكيد مجددا وبقوة على ثوابت الموقف العربي حيال موضوع إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، مشيرا إلى أن إسرائيل ما زالت الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ترفض الانضمام لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، دون توافر مبررات منطقية لهذا الموقف الغريب الذي لا يمكن القبول به. كما تحدث الوزير المنتدب للشؤون الخارجية الجزائري عن خطورة تأثير انتشار الجماعات الإرهابية على السلم والأمن الدوليين وطالب المجتمع الدولي بتحمل المسؤولية وجدد دعم بلاده لقضايا فلسطين واليمن وليبيا. أما وزير خارجية لبنان فقد اشتكى من مخاطر النزوح إلى بلاده الأول للفلسطينيين بسبب إسرائيل والثاني من سوريا بسبب «داعش» وقال إن الضربات العسكرية الجوية للإرهاب غير كافية وطالب بتقديم الدعم العسكري والمادي لبلاده، مشيرا إلى أن هناك مواجهة أخرى مع الإرهاب منها الإنسانية والاجتماعية، وقال إن الإرهاب ساهم في تحويل ملايين العرب إلى لاجئين ونازحين من العراق وسوريا وفلسطين، وأكد وجود أكثر من مليوني لاجئ في لبنان. وانتقد إسرائيل، مشيرا إلى أنها دولة عدوانية لا تؤمن بمبادرات السلام، ودعا إلى وحدة الصف العربي ودعم الشرعية لمواجهة الإرهاب. وبدورها تحدثت الوزير المغربية عن تأكيد التزام العاهل المغربي بصفته رئيس لجنة القدس الحفاظ على المقدسات، كما أكدت دعم بلادها للحل السياسي في اليمن وسوريا وتنفيذ قرارات جامعة الدول العربية في هذا الصدد، وأيضا دعم جهود العراق للقضاء على الإرهاب ورفض التدخل في شؤونه ورحبت بالحوار الأممي لوضع حد لظاهرة الإرهاب في ليبيا وأكدت على دعم المغرب للجهود العربية لمواجهة الإرهاب. أما وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري فقد انتقد الإعلام في تعاطيه مع الشأن العراقي وكذلك الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام غطاء لها، وقال إن العراق دولة تباشر كل أنواع التوافق بين المكونات السياسية للمضي قدما بالعملية السياسية وطالب بأن يتم قراءة الشعوب من خلال رموزها وليس عبر نتوءات تنال من صورة ومكانة الدول العربية. وأضاف أن بلاده تحارب الإرهاب نيابة ودفاعا عن الدول العربية على جبهتين منذ عام 2004، وأشار إلى تمكن العراق من نزع فتيل الطائفية وأن الجميع عازم على فتح صفحة جديدة مع كل الدول. أما وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي فقد طالب بأن يعتمد الاجتماع القرارات التي توافق حولها اجتماع المندوبين بشأن فلسطين كما انتقد ليبيرمان القائل بأن الدول التي لا تقف مع إسرائيل يجب أن تقطع رؤوسها أسوة بـ«داعش»، وكذلك في اعتبار إسرائيل الرئيس محمود عباس بأنه ليس شريكا وأنه يقود إرهابا دبلوماسيا. ومن جانه طالب وزير الخارجية الليبي محمد الدايري بضرورة دعم مؤسسة الجيش والشرعية الممثلة في الحكومة والبرلمان والامتناع عن مساواة الشرعية بالميليشيات حتى تتمكن الدولة الليبية من إعادة البناء وجعل ليبيا مقبرة لـ«داعش» وانتقد المجتمع الدولي في تركه لليبيا بعد التخلص من النظام السابق وطالب بوقف تدفق السلاح للميليشيات برا وبحرا وجوا، كما أبدى تضامنه مع قضايا فلسطين واليمن وسوريا بضرورة الحل السياسي.