أشار وزير النفط السعودي أنه سيكون في لاس فيجاس بدلاً من ألمانيا لو كان قادراً على التنبؤ بأسعار النفط. وفي تقرير للبنك الدولي عن مستقبل النفط لم يستطع أن يخرج بتصور واضح لمستقبل أسعار النفط. وتضاربت أراء المسؤولين والمراقبين لمستقبل اسعار النفط بصورة لم نعهدها من قبل. فالبعض يرى أنها ستعود للانخفاض الى مادون الأربعين دولاراً للبرميل، وآخرون يرون بقاءها فوق الستين دولاراً لفترة طويلة. والمتتبع لأسعار المواد الأولية الأخرى المتراجعة بحدة، ونمو الاقتصاد العالمي الضعيف بأكثر من التوقعات، مع النمو القوي المفاجئ للاقتصاد الأمريكي يدرك مدى الغموض الذي يشوب الأسواق العالمية، ويستميح العذر للكثير من التوقعات التي فشلت في معرفة اتجاهات الأسواق والنمو وأسعار الفائدة وبالتالي القدرة على التنبؤ باسعار السلع ومنها النفط. ولعلني هنا سأقدم اجتهاداً شحصياً مبنياً على خبرة طويلة في الأسواق ومتابعة الأسعار وتوقعاتها حيث انني ابتعدت منذ فترة ليست بالقصيرة عن الأبحاث والدراسات المستقبلية ماعدا اطلاعاتي المحدودة في هذا المجال. فالنفط هو سلعة يمكن أن تدرج تحت علم الاقتصاد السياسي عطفاً على العوامل العديدة والكثيرة التي تؤثر عليه، ناهيك عن الأهمية الاستراتيجة المؤثرة جداً للنفط على الاقتصاد العالمي. مايجعل صهر هذه العوامل في بوتقة واحدة أمرا معقدا للغاية، لكن هذه العوامل المعقدة تشير الى أن حساسية أسعار النفط لأي تغير بسيط في أي من تلك العوامل قد يغير أسعار النفط في اي اتجاه وبنسب عالية. فعامل الطلب مثلاً هو في أوج انخفاضه بسبب تراجع النمو في الصين وأوروبا، وأي ارتفاع في النمو الاقتصادي سينعكس بزيادة الطلب على النفط ما قد يؤدي الى تغير توقعات الأسعار بشكل دراماتيكي الى الأعلى. وبنفس الكلام، فإن أي قصور في العرض قد يرفع الأسعار بشكل أسرع مما يتوقع أكثر المحليين. فلو قررت أوبك أن تخفض انتاجها بنحو مليون برميل في اليوم، فإننا قد نرى الأسعار تلامس التسعين دولاراً للبرميل حتى لو لم يتم الالتزام الفعلي بالقرار. نحن نعرف أن النفط الصخري قد دخل المعادلة بشكل قوي، وأصبح من الصعب التنبؤ بحركة أسعار النفط في ضوء تطور تقنية تلك الصناعة وتغطيتها لحجم كبير من طلب اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي جعل من أسعار النفط تهبط من 105 دولارات للبرميل لتلامس ال 47 دولاراً للبرميل وأدنى من ذلك. لكن الارتداد الأخير في أسعار النفط لتقترب من 60 دولاراً هو اشارة الى أن الأسواق بدأت تستوعب العوامل المؤثرة في امدادات النفط الصخري، وأهمها ارتفاع التكلفة، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض، وارتفاع حجم الاستثمارات في هذا النوع من النفط. وفي اعتقادي أن الدرس الأول لشركات النفط الصخري قد تم استيعابه بضرورة خفض الاستثمارات الممستقبلية في هذا المجال مع العمل على تطوير تقنية لخفض انتاجه ليقارب النفط الصخري، وهي عملية قد تأحذ سنوات خمسا أخرى عل أقل تقدير للوصول الى نتائج ملموسة في هذا المجال. السؤال الأهم الان هي ماذا على أوبك فعله في السنوات القادمة للتحكم في أسعار النفط؟ البعض يعتقد أن أوبك قد بدأت في الضعف في ظل الوفرة للنفط الصخري، لكن الواضح أن أوبك في قرارها الأخير قد ازدادت قوة عن السابق، ويجب أن تزداد قوة في المستقبل حتى تستطيع خلق الأسعار والتوازنات في أسعار النفط المستقبلية. لقد كان قرارها الأخير بالحفاظ على حصص السوق مهمة جداً لاختبار قدرة الصخري على الصمود، ونجحت في هذا المجال تحديداً. لكنها تقابل تحديات أخرى أكثر حدة مثملة في رفع أسعار النفط ليواكب النفقات العالية للدول النفطية، وفي نفس الوقت تحجيم دور النفط الصخري على الأسعار. وهذا التحدي هو الذي ينبغي أن يكون هدفاً استراتيجياً لدول أوبك من أجل عودة الاسعار الى الارتفاع. وأعتقد أن الاجابة على هذا السؤال قد يكون محور اجتماع أوبك القادم. وإذا كان كذلك، فإنني لن أستغرب أن تتخذ قرارا مهماً يرفع أسعار النفط في النصف الثاني من العام الى مستويات بين 80-90 دولاراً للبرميل، وتدخل اختباراً آخر مع النفط الصخري، وستتوالى الاختبارات في السنوات القادمة حتى يتحقق استقرار لأسعار النفط في مستوبات تقبلها دول أوبك.