أسوأ ما يمكن قوله عن قناة فضائية أن نصفها بأنها «بلا ملامح». لا يتعلق الوصف هنا بالشكل وحسب لكنه يتجاوز إلى المضمون حيث نجد أنفسنا أمام شاشة نقول من دون تردد أن أصحابها والقائمين عليها لا يعرفون ماذا يريدون. أن نعرف ماذا نريد يعني أن نمتلك صورة البداية لما يجول في أذهاننا وما نسعى لتحقيقه، وهي صورة على رغم انتسابها للبدايات تظل كلمة المرور نحو عمل تلفزيوني يمكنه أن يتطلع حقاً للنجاح. كثيرة القنوات الفضائية العربية التي لا تمتلك هذه الصورة، بل ولا تقاربها ولو من بعيد، وهي لذلك تبدو من متابعة شاشتها هجينة وأقرب إلى «الكشكول» فلا شيء ينتظم مفرداتها وتفاصيلها، ولا قاسم مشتركاً سوى الفوضى والسطحية. لا نريد من البث التلفزيوني أن يكون دراسة عميقة وثقيلة على المشاهد في بيته تضطره لتغيير القناة والبحث عن أخرى هي بالتأكيد موجودة ومتوافرة دائماً. بين الرغبة في إطلاق قناة فضائية وبين النجاح مسافة شاسعة من الآمال والأفكار والتصورات الإبداعية ومخزون التجارب الناجحة للآخرين، ولكن أيضاً الأوهام والمفاهيم المغلوطة والضارة التي تختصر كل البث الفضائي في فكرة الاعتماد على سطوة الصورة وتوظيف إمكاناتها في تحقيق الهدف المنشود وهو «القبض» على المشاهد للالتزام بالقناة وببثها. هي مزيج من الثقافة والوعي بأصول المهنة وحرفياتها، ولكن قبل ذلك وبعده من الأفكار والتصورات التي تنطلق من نقطة ارتكاز أساسية هي بلا شك أو تردد امتلاك هدف وغاية واضحة تنتظم نشاطات القناة كلها وتكون بؤرة ضوء ساطعة لإطلاق برامجها ومعها أفكارها. أما غير ذلك فليس سوى «سمك، لبن، تمر هندي» لا يغني ولا يسمن من جوع. تكاثر مثل تلك القنوات التي «بلا ملامح» لا يجعل منها حاضرة ولو بقوة الأمر الواقع، ذلك أن هذا الأمر الواقع نفسه يؤكد أنها حاضرة غائبة ولا يتذكرها المشاهدون، بل لا يفتقدون وجودها إن غابت أو توقفت عن البث. هي معادلة النجاح كما في المجالات كلها، وهي في البث التلفزيوني بالذات لا يمكنها أن تنفصل لحظة عن امتلاك رؤية واضحة وغاية محددة كي تقدم نفسها للمشاهد باعتبارها «رسالة» كما تزعم القنوات كلها من دون أن تكون على حق غالباً.