لم استغرب التخوف الذي أبدته وزارة التجارة والصناعة مؤخراً من عودة الاستثمار التجاري في الأراضي الصناعية. فمن يتابع الفعاليات الاقتصادية وحديث أصحاب الأعمال يلاحظ أن الشكوى والتذمر تأتي أكثرها من الصناعيين لا من التجار. بل إن تلك المخاوف تزداد أكثر عند التوقف على طبيعة المطالب التي يطرحها الصناعيون في مجالسهم أو أثناء لقائهم مع المسؤولين. وأنا هنا لن أتطرق إلى كل ما يشتكي منه الصناعيون في هذه العجالة. فهي منشورة ومغطاة من قبل وسائل الإعلام. ولكن هناك العديد من المطالب من الصعب ألا يشار لها ونحن نتحدث عن مخاوفنا اتجاه مستقبل الصناعة. إنه لمن المحير أن نتحدث عن حرصنا على تطور الصناعة في الوقت الذي يتم فيه تجاهل ابجديات ذلك مثل: إعطاء الأفضلية للمنتجات الوطنية في العقود التي تبرمها أجهزة الدولة لتنفيذ مشاريعها وتشجيع إقامة الشركات الصغيرة والمتوسطة وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للصناعة. فهذه المطالب العادلة هي ليست فقط قديمة قد تم طرحها عدة مرات خلال الأعوام الماضية بل إنها كذلك في صلب كافة خطط التنمية وأهدافها الموضوعة. ولذلك فإنه لمن المستغرب أن تترك تلك الشكاوى والأهداف دون تحقيق كل هذه المدة. إن تنويع هيكل الناتج المحلي الإجمالي وتعديد مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط من الصعب تحقيقها من دون إعطاء دفع قوي للصناعة الوطنية. فهذان الهدفان المهمان لا يزالان ديناً على مخططينا منذ خطة التنمية الأولى 1970-1975. وأنا هنا لا أريد أن أكون متشائماً بربط تراجع صادراتنا النفطية في ديسمبر 2014 عن الفترة المماثلة في عام 2013 بنسبة 17% بهذا الأمر. ولكن، على أية حال، هذا هو المستقبل الذي يمكن أن ينتظر الاقتصاد ما لم يتم الالتفات بجدية للشكاوى التي يطرحها أصحاب الأعمال ومن دون أن تكون هناك متابعة لتنفيذ وإنجاز الأهداف الرئيسية للخطط الموضوعة. وليس ذلك فحسب. فالمشاكل التي يعاني منها الصناعيون ناجمة ليس فقط عن عدم وجود وزارة متخصصة بالصناعة، تعنى بحل مشاكل القطاع وتعمل على تقديم كافة التسهيلات التي يحتاجها الصناعيون-خصوصاً بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، بل وأيضاَ نتيجة لانخفاض معدل الأرباح التي تدرها المنشآت الصناعية مقارنة بغيرها من المنشآت. ولذا فليس مستغربا أن نرى الاستثمارات المتدفقة على بلدنا من الخارج لا تتجه نحو القطاع الصناعي بالشكل الذي نتوخاه بل تركض باتجاه الأرباح العالية والسريعة التي سوف تجنيها في قطاع التجارة والخدمات. ولذا فإن تخوف وزارة التجارة والصناعة المشار إليه أعلاه هو في محله تماماً. من هنا فالآمال معلقة على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في حل كافة الإشكالات التي تعوق انطلاق الصناعة في المملكة وتحول دون رفع مساهمتها المتواضعة في الناتج المحلي الإجمالي من 11% إلى أضعاف هذه النسبة رغم كل الصعوبات والأخطاء المتراكمة التي حدثت في الماضي. فتطور الصناعة سوف يكون كفيل برفع مساهمة التقنية في الاقتصاد إلى مستويات أعلى مما هي عليه الآن بكثير وزيادة القيمة المضافة التي تخلقها القطاعات غير النفطية وتنويع هيكل الصادرات في ميزان المدفوعات وتعدد مصادر حصولنا على العملة الصعبة.