أنت مغمض العينين وصافحت يداً حريرية الملمس، دافئة، ملساء، ليست بالناشفة الجافة، ولا الرطبة الزلقة، رائحتها نفاذة، بل فواحة، تتخلل مسامات أنفك.. كما اخترق ملمسها أحاسيس جسدك! .. تعيش في خيال.. وتظنه واقعاً.. هي يد ليست غريبة عليك.. تشعر بوطأتها لكن لا تعرف كنهها.. آثارها بالنسبة لك ملموسة لكنها في الوقت نفسه غامضة! .. يد حقيقية في نفاذها إليك، وتأثيرها عليك، لكنها ليست كذلك بذاتها.. تملك عليك سمعك وبصرك، وتسيطر على أحاسيسك، قد تشعر بها، وفي كثير من الأحيان لا تشعر، لكن الأغلب أنك لا تدري أنك تصافحها..!! هذه اليد هي إعلامنا المعاصر.. يتخلل أحاسيسنا.. ويستغرق وقتنا.. وينفذ في عقولنا.. نسبح معه أحياناً كثيرة، ونصارعه في أوقات قليلة.. فرّق العائلة وشغل الأطفال، وأضاع الشباب.. هو سحر في تأثيره.. هو سحر في سيطرته على العقول والنفوس.. ألم ترَ إنساناً يبكي في مشاهدة فيلم أو مسلسل، وهو يعلم أنه تمثيل! .. ألم ينشغل طفلك عنك بأفلام الكرتون، وهو لا يكاد ينطق، فضلاً عن أن يستوعب ويفهم..! ألم تفقد ابنك وتجده متسمراً أمام الشاشة!! تلفاز وإنترنت مع الاعتذار من الراديو والصحف، فنقول أنتم في الصفوف الخلفية حالياً! ولا ننسى الألعاب الإلكترونية فقد فتنت الكبار قبل الصغار! قال لي صاحبي ونحن في سفر: أريد أن أشاهد السينما.. عشت في بلاد لا تعرفها، وأسمع الكثير عنها، وفي بلدنا اختلف الناس بين مؤيد ورافض.. قلت لا بأس نختار فيلماً مناسباً، ونرتب الدخول.. اخترنا فيلماً بعنوان 2012 كما أذكر حيث كان عن انهيار يحدث على الأرض، وقلة تنجو من دمار هائل، وسيل من المؤثرات البصرية، والخدع السينمائية، والحركة والإثارة. بعد انتهاء الفيلم خرج منتشياً لا تكاد قدماه تحملانه من هول الصدمة، وقوة التأثير.. خرج مذهولاً تماماً، فهذه أول تجربة له.. قلت هات ما عندك؟! قال بعفوية كاملة: مذهل تماماً لم أتوقع أن تكون السينما بهذا التأثير، وهذه القوة البصرية، والإمتاع الذهني، والتأثير العقلي..! بالله عليك، كيف تتوقع تأثيرها على من يشاهدها باستمرار؟! قلت: التأثير هائل، إيجابياً كان أم سلبياً، أذكر فيلم المسيح، حيث خرج البعض من دور السينما دون أن يكملوا الفيلم وهم يصيحون، ويبكون، وبعضهم أكمله ودموعه تنهمر، وأنا شاهدت بعضاً منه في الطائرة وسحرني، رغم صغر الشاشة، ولم أستطع إكماله؛ لقوة تأثيره النفسي، رغم معرفتي بعدم واقعيته ومغالطاته التاريخية، فضلاً عن حرمة تصوير الأنبياء الملمس الحريري يصافحنا ليل نهار، يتخلل أجسادنا، فضلاً عن عقولنا يصوغ أفكارنا، ويوجه ثقافتنا نقبل هذه اليد، بل ونقبلها أحياناً، دون أن ندري أو نعي تأثيرها، بل ننسى أحياناً أننا نحن من بحث عنها، ورضي بملمسها!