ظلت الرياض ولا تزال إحدى أهم عواصم صناعة القرار في العالم نسبة لوزنها الدولي والعربي والإقليمي، وتأثيرها في كل مجريات السياسة والاقتصاد والأمن الدولية، وقد شهدت خلال الفترة القليلة الماضية وحتى الساعة توافد العديد من الوفود الدولية من الرؤساء والأمراء والشيوخ ورؤساء الحكومات والوفود الرسمية، والتي جاءت لتلتقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد، وكبار المسؤولين السعوديين للتباحث معهم في مختلف القضايا الثنائية والدولية، مما يؤكد موقع ومكانة المملكة في القرار الدولي، وثقلها على كافة الأصعدة، وفي مختلف الملفات. ولعل وجود زعامة كبيرة بحجم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -أيده الله- على رأس السلطة في هذا الوطن، وبما يملكه من رصيد سياسي كبير وعريق، ورؤية بعيدة المدى، يُعول عليها المجتمع الدولي كثيرًا في المساهمة بقوة في إعادة ترتيب أوضاع هذا الإقليم المضطرب بعيدًا عن الاصطفافات في أي اتجاه، وهو ما استدعى هذا الحراك الكبير الذي تشهده الرياض، حيث لم يمض يوم واحد دون أن تستقبل فيه العاصمة ضيفًا من هنا أو هناك، ومن كافة قارات الأرض، وصولًا إلى زيارة دولة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وقبلهما فخامة رئيسة جمهورية كوريا الجنوبية وفخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وفخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغيرهم، حيث ظل قصر عرقة على رأس اهتمامات وكالات الأنباء العالمية على مدار الساعة، وهو أمر طبيعي جدًا في مثل هذه الظروف التي تحتاج لاستمزاج رأي العاصمة السعودية كإحدى مصانع القرار الدولي في شتى القضايا، نسبة لما يحظى به قائد هذه البلاد من مكانة دولية مرموقة، وقدرة فائقة على ضبط التوازنات، وقيادة هذه المنطقة على وجه التحديد للخلاص من تلك التحديات والمخاطر الكبيرة التي تحيط بها من كل جانب، والنأي تمامًا بهذه المنطقة التي تحتفظ بأهم سلع العالم الإستراتيجية عن خطر التمادي في الانزلاق صوب المزيد من المواجهات، مستفيدة من وجود قيادة هذا الرجل الذي طالما كان شريكًا في صناعة القرار مع كافة أشقائه الملوك، والذين تعاقبوا على حكم هذه البلاد، والشخصية الفذة والبارزة التي خبرت دهاليز السياسات الدولية، وأدركت كل خفاياها، وساهمت في تعزيز سبل السلام، وصناعة الأمن، ومواجهة الإرهاب على مدى العقود الماضية، وما تحظى به من قدرات استشرافية للمستقبل من شأنها أن تطفئ هذا السعير المتزايد من النيران الملتهبة في غير موقع من هذه المنطقة، وتنأى بالتالي بها عن حمى الاصطفاف التي سمحت لتلك الأيدي الخفية لبعض الوقت أن تفتت ما تبقى من وحدة الأمة، وتجرها إلى المزيد من الخراب والدمار على حساب مستقبل وأمن شعوبها التي كانت تتطلع لغد أفضل فإذا بها تقع في براثن الاحتراب والتصفيات وتمزيق الصفوف، ومن غير سلمان بن عبدالعزيز بحكمته وحنكته وخبرته، وحرصه على العمل الهادىئ والبعيد عن العواطف والانفعالات وردود الأفعال، يمكن أن يُعوّل عليه في مثل هذا الدور الدولي الكبير لتتواتر هذه الوفود الكبيرة إلى عاصمة بلاده بغية ترجيح الموازين لصالح السلم والأمن الدوليين، وإطفاء الحرائق التي تزداد اندلاعًا هنا وهناك بفعل التدخلات غير المحسوبة، والاستقواء ببعض من سيطرت عليهم أوهام القوة، وظنوا أنهم وحدهم سادة المنطقة، والقادرون على رسم مصيرها ومستقبلها، ليعبر هذا الحراك السياسي الذي تشهده الرياض، وبمنتهى الوضوح أين موضع الثقل الوازن، وأين من يُمكن أين يصنع القرار الذي سيجد الترحيب من كافة أقطار الأرض، وليثبت للجميع إنها الرياض التي تُنبت الربيع كما يليق بربيع حقيقي.