صنعاء: عرفات مدابش يواصل الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ومنذ تمكنه من مغادرة مقر إقامته الجبرية داخل منزله بصنعاء في 21 فبراير (شباط) الماضي، عقد سلسلة من اللقاءات اليومية مع قيادات الأحزاب السياسية والقيادات العسكرية والأمنية والمشايخ ورؤساء وأعضاء السلطات المحلية (البلدية) في المحافظات الجنوبية وبعض المحافظات التي لم تخضع لسيطرة الحوثيين، حتى اللحظة، إضافة إلى اللقاءات مع السفراء العرب والأجانب. وقالت مصادر سياسية في عدن لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز القضايا التي يناقشها هادي مع كل الشخصيات التي يلتقيها في عدن خلال الأسبوعين الماضيين، تتلخص في كيفية تأسيس «السلطة الشرعية» في عدن لإدارة شؤون البلاد، وبالتحديد المحافظات التي ما زالت تحت سيطرته، ومناقشة قضية الموارد المالية لتمويل الدولة وقطع الإيرادات عن سلطة الحوثيين في صنعاء وبالأخص المساعدات الدولية التي تشير المعلومات إلى أنه سوف يتم تحويلها إلى فرع البنك المركزي في عدن، الذي أصبح في حكم المصرف المستقل، حاليا، وتحت إشراف الرئيس هادي وسلطته غير المعلنة، إضافة إلى مسألة الحفاظ على ما تبقى من القوات العسكرية تحت قيادته وسلطته. ومنذ وصوله إلى عدن وهادي يكثف من لقاءاته بكل الأوساط السياسية والقبلية والعسكرية، وتجزم المصادر المقربة منه أنه يسعى إلى حماية المساحة الجغرافية التي يعمل فيها أمنيا وعسكريا، وتأمينها ماليا، وتشير معلومات خاصة، حصلت عليها «الشرق الأوسط» إلى أن «لدى هادي مجموعة عمل مصغرة تتكون من وزراء ومسؤولين سابقين وقادة عسكريين ومستشارين لإدارة الأمور اليومية، وهي أشبه بحكومة مصغرة وغير معلنة»، وأشارت هذه المصادر إلى أن الرئيس اليمني «يتجنب، في الوقت الراهن، تسمية حكومة لإدارة شؤون البلاد رسميا حتى تتضح الصورة بالنسبة لما سيؤول إليه الحوار السياسي، إضافة إلى أنه ينتظر رفع الإقامة الجبرية عن رئيس الحكومة المستقيلة، خالد محفوظ بحاح في صنعاء»، وتؤكد هذه المصادر أنه «لن ينتظر طويلا»، كما تؤكد المصادر أن هادي «بدأ يستشعر ضرورة ترسيخ نظامه في عدن بدليل التعيينات التي بدأ الإعلان عنها في أجهزة الأمن مؤخرا». ويقول مصدر قبلي بارز من محافظة مأرب (إقليم سبأ)، رفض الكشف عن هويته، إن «هادي.. قضيته الأساسية منذ التقيته وحتى الآن وفي لقاءاته الأخيرة، هي التشديد على أن مخرجات الحوار هي الحل، والأقاليم هي العدالة الموعودة للشمال والجنوب، وأنه وحدوي لن يفرط في الوحدة وسيثبت للجميع أن الدولة الاتحادية هي مشروعة الذي سيحافظ على الوحدة وسيحل قضية الجنوب ويفكك مركزية الشمال»، ويضيف المصدر القبلي لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس هادي «يتحرك في إطار استعادة السيطرة على الجيش والأمن بداية من إحكام السيطرة على عدن والمحافظات الجنوبية أولا، فهو يعيد تفكيك دولة (الرئيس السابق علي عبد الله) صالح في الجنوب، ويعيد صياغة دولته في الجنوب أولا، وفي الشمال ثانيا»، ويردف أن هادي «راهن كثيرا على الأميركيين والبريطانيين وخذلوه، وهو يراهن الآن على السعودية والخليج لأن مصالحهم تقتضي التمسك بشرعية الدولة في مواجهة شرعية السلاح والتدخل الإيراني»، ويقول الزعيم القبلي إن هادي «يخوض حربا مع صالح لاستعادة حزب المؤتمر لحسابه، وقد بدأ المؤتمر في الانشقاق إلى جناحين؛ جناح هادي وسيشمل أقاليم عدن وحضرموت وسبأ، وجناح صالح ويشمل أقاليم أزال والجند وتهامة»، ويشير إلى أن الرئيس اليمني «لا يريد الاصطدام بالحوثيين إن أمكن العودة لتسوية يقودها هو من جديد بشراكة من دون ميليشيات في صنعاء، فلا إمكانية لشراكة من دون خروج الميليشيات من العاصمة صنعاء»، كما يؤكد الزعيم القبلي أن «الحوثيين أمام حصار خانق قادم وحرب شاملة إن تهوروا وهاجموا الجنوب، ولا يمكن للعالم أن يسمح بالحالة الموجودة إلا في مخيلة البعض». وقال مصدر من «الحراك الجنوبي» في عدن لـ«الشرق الأوسط» إن «قيادات وفصائل ومكونات الحراك تنظر بحذر إلى تصرفات هادي، ولم تدخل معه في صراع ولا تنوي التأجيج عليه في الشارع، إلا في حال وجدت أنه لم يتبنَّ القضية الجنوبية أو يسعى للزج بالجنوب في صراع مع القوى الأخرى التي نعتبرها محتلة للجنوب»، ويرفض الجنوبيون تحويل مناطقهم إلى «ساحة للصراع بين الأطراف الأخرى»، ويؤكدون سعيهم إلى «تحقيق الاستقلال وإقامة الدولة الجنوبية». ويقول القيادي البارز في «الحراك الجنوبي»، العميد علي محمد السعدي لـ«الشرق الأوسط» إن «عبد ربه منصور هادي يعيش وضعا سياسيا صعبا جدا ومعقدا، ومفتاح فك شفرة طلاسم هذا الوضع لا أعتقد أن الرئيس هادي يمتلكها». وحول لقاءات هادي في عدن ببعض الشخصيات القبلية والسياسية في معاشيق (قصر الرئاسة)، قال إنها تكرر المشهد نفسه لأزمة وحرب صيف 1994 علی الجنوب مع اختلاف الأسباب والأهداف بين أزمة الأمس واليوم، مؤكدا أن «هادي يعتمد علی النصح والإرشاد الخارجي ويستمد قراره من تلك النصائح، لكنه إذا تمعن جيدا في ما عاناه، مؤخرا، من حجز تحت الإقامة الجبرية في صنعاء، فسيجد أن تلك الوعود والنصائح الخارجية لم تعمل شيئا أمام ما تعرض له من ذل وهو رئيس»، ويعتقد العميد السعدي أن «كل تلك اللقاءات التي يجريها هادي في عدن مع بعض الشخصيات ما هي إلا تكرار لنفس مشهد الابتزاز السياسي والمادي الذي مورس علی الرئيس علي سالم البيض في حرب 1994، وعند الحاجة اختفت كل تلك الوعود من قبل تلك الشخصيات واكتفت بما أخذت علی حساب تلك الأزمة». ونصح السعدي الرئيس هادي ودعاه إلى أن «يضع النقاط علی الحروف ويعلن موقفا واضحا وصريحا يتماشى أو يتفق مع نضال الشعب الجنوبي وثورته التحررية، عوضا عن البحث عن سراب الوعود الكاذبة التي يظهرها له البعض على أنهم سيقفون معه عند الضرورة»، وأردف القيادي البارز أن «شعب الجنوب شعب وفيّ ولن يخذل من يقف إلى جانبه، وهادي عليه أن يكون مع الشعب الجنوبي وسنكون معه في خندق واحد، والله سينصر الحق، ونحن أصحاب حق، ولسنا دعاة باطل». غير أن مراقبين في عدن أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «حالة اللاموقف لدى الحراك تجاه هادي، ترجع إلى الانقسام والتباينات بين فصائل الحراك وحول أهدافها وآليات تحقيق تلك الأهداف، وأشار المراقبون إلى أن «المحيط الإقليمي يمكن أن يلعب دورا كبيرا في تهدئة الأوضاع في الجنوب، من خلال طمأنة الجنوبيين بالحصول على حقوقهم السياسية والتاريخية، ولكن بعد تصفية الملعب من الأطراف الجديدة التي ترغب في ابتلاع الشمال والجنوب معا».