بدأت وجبتي هذا الصباح بزبدية فول حار بالكمون و «التحبيشات» الأخرى الجميلة. وقد كتبت مسبقا عن الفول، وهذا دور الزبدية فهي من الأشكال الجميلة التي تتمتع بخصائص هندسية مميزة. كونها نصف كرة تقريبا يجعلها توفر بمشيئة الله أكبر حجم نسبة إلى سطحها فهي اقتصادية جدا في أداء وظيفتها الأساسية كوعاء. ومن يتمعن في جمال النعم التي أكرمنا بها الله عز وجل، فسيجد العديد من المفاجآت على مستويات مختلفة. نجد العديد من الأمثلة في العمران. ولكن ليس بالضرورة أن يكون عمران البشر، وإنما تدابير المخلوقات المختلفة بإرادة الله لتكوين بيئة تحميها من المخاطر المختلفة سواء كانت درجات الحرارة، أو الرطوبة، أو الغبار، أو الهواء، أو المخلوقات الأخرى. وفي هذا الوقت من كل عام أسعد بزيارات مجموعات كبيرة من الطيور في حديقة منزلي. وبالرغم من حجمها المتواضع، وقلة أشجارها، يعمد بعضهم إلى الاستيطان المؤقت وبناء عششهم الجميلة فيها. ومن يتمعن في تصميم عشش الطيور سيجد فيها إبداع الخالق عز وجل كما نجده في كل ما حولنا. العشش تشبه «الزبدية» في هيئتها، وسر الشكل يكمن في الاقتصاد في عملية البناء نفسها، وفي استخدام مواد البناء المكلفة لتلك المخلوقات الجميلة. الشكل شبه الكروي الذي يتميز به تصميم «الزبدية» يوفر أكبر حجم نسبة إلى السطح. تخيلها كالنصف السفلي من كرة. لو حاولت الطيور أن تستخدم أي شكل آخر، فلن تحصل على نفس المزايا الاقتصادية، وتحديدا: فلن تحصل على مزايا نسبة الحجم إلى السطح كما هو الحال في تصميم الزبدية. يجمعون المواد المختلفة من قش، وأعشاب جافة، وطين، ويسلحونها بالريش، ويلصقونها ويشكلونها بلعابهم، وبعض من فضلاتهم الأخرى، وكل هذه المواد مكلفة ومتعبة للطيور، وينتج عن كل ذلك المجهود العش الجميل. لاحظ خصائصه المميزة فهو يعزل الحرارة والرطوبة والتيارات الهوائية، ويوفر قوة كبيرة بدون اللجوء إلى الصلابة، وهذه من الخصائص المهمة التي توفر له بمشيئة الله القدرة للارتكاز والتثبت على الأغصان الملتوية. ويتميز أيضا بخفة وزنه. إبداعا في إبداع. وهناك المزيد، فلو أردت أن تستكشف بعضا من روائع الهندسة في العمران فانظر في عالم الحشرات، وخصوصا تلك التي ذكرت في القرآن الكريم. النحل يبني خلاياه باستخدام قواعد هندسية تحترم القيمة العالية لمواد البناء. وتحديدا فالشمع المستخدم لبناء الخلية ممكن أن نشبهه بالذهب. وهنا يتجلى أحد أروع الأمثلة في الاقتصاد فلو كانت كل نحلة تبني منعزلة عن زميلاتها فستنتج عنها مجموعة «زبديات» لأن الشكل الدائري يوفر الخصائص المذكورة أعلاه: أكبر حجم نسبة إلى السطح، وأكبر توفير للمواد المستخدمة. ولكن النحل يبني بمنظومة تعتمد على العمل الجماعي، ويسد الفراغات بين كل خلية وجارتها، وبالتالي فهو يوفر كميات هائلة من الشمع بسبب الجدران المشتركة، وينتج عن هذا الشكل السداسي المألوف في هندسة الخلايا. ومن جانب آخر، فلو نظرنا للنمل فسنجد بعضا من أروع الأمثلة على إعجاز الخالق في هندسة العمران. بعض النمل الأبيض يبني منشآت شاهقة الارتفاع وكأنها ناطحات سحاب نسبة إلى حجمه. وهذه البيوت العجيبة تحتوي على فراغات وسراديب كثيرة وكبيرة بداخله. ولكن المذهل هنا هو أن بيت النمل شاهق الارتفاع هو أشبه بالرئة العملاقة لتلك المخلوقات. وتحديدا فخلال ساعات النهار تتكون الغازات الدافئة بداخل فراغات المنشأة. وحيث إن الغازات الدافئة تصعد إلى الأعلى فيتم تكوين تيارات بمشيئة الله لتيسير تنفس النمل ولتلطيف درجة الحرارة بداخل المنشأة. وكأنها مكيفات و«شفاطات» هواء طبيعية. قمة الإبداع. أمـنـيـــة تعجبت من عدد الزبديات التي استخدمتها في حياتي بدون أن أتأمـل في خصائصها الهندسية المميزة. أتمنى أن لا تمـر هذه الروائـع بدون أن نتوقف لحظـة للتأمـل في هندستـها، وتطبيقاتها المذهلـة لأنـها تقربنا من الله عز وجل. وهو من وراء القصد.