لم تعرف المملكة حالات خطف لديبلوماسييها إلا في مرتين، الأولى استمرت لأسبوعين واحتجز فيها الديبلوماسي السعودي سعيد المالكي بعد اختطافه من أمام مقر سكنه في صنعاء، والثانية امتدت لما يزيد على ثلاث سنوات ونصف تقريبا، وكان ضحيتها نائب القنصل السعودي عبدالله الخالدي، الذي أخذته مجموعة من المرتزقة من أمام بيته في عدن، وقامت بتسليمه إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في صفقة مشبوهة يعتقد أن وراءها سياسيين كبارا في اليمن، وقضية المالكي لم تكن سياسية أو مرتبطة بتنظيمات إرهابية، فقد كانت مطالب الخاطفين مالية وعرضوا الإفراج عنه مقابل خمسة ملايين ريال، وفي ذلك الوقت كانت موجة الاختطافات مستعرة في اليمن، وطالت على وجه الخصوص السياح الأجانب من الجنسيات الأوروبية، وقد تمكنت المملكة من تخليص المالكي بدون تنازلات في مايو 2011، وعاد محفولا مكفولا إلى وطنه، واختطاف الخالدي جاء على دفعتين، بدأت بتهديده وسرقة سيارته في نوفمبر 2011 وانتهت بخطفه في نهاية مارس 2012، وفي موضوع المالكي حضر المال والسياسي، عندما طالب الخاطفون بمبلغ عشرة ملايين دولار أو ما يقارب الواحد وثلاثين مليون ريال سعودي، وبالإفراج عن سبع نساء وثمانية رجال محكومين في قضايا أمنية، والملاحظة الأبرز ربما أن الأسلوب في الجريمتين متشابه بدرجة كبيرة، وبالتالي يحتمل أن من نفذ بداياتها واحد، وإن اختلفت في تفاصيلها وتوزعت أماكنها بين شمال اليمن وجنوبه. المملكة رفضت وساطة دولة خليجية لاستعادة الخالدي، ولم تقبل بالاستسلام لما يريده الظلاميون، واختارت الطريق الأصعب، رغم محاولات الابتزاز والتحريض، وأكثر من خمسة مقاطع ظهر فيها نائب القنصل وكأنه يؤيد مطالب القاعدة أو يميل إليها نسبيا، وهو بالتأكيد لم يكن في وضع مريح ومن الواضح أنه يعيد كلاما يصل إليه من آخرين، وعملية تحرير الخالدي تحسب في المقام الأول، بعد توفيق الله، لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وللأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، الرجل الثالث في منظومة الحكم السعودي، والذي أدار ملف مكافحة الإرهاب باحترافية ونفس طويل، ولدرجة أن التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب أصبحت نموذجا مثاليا في التعامل مع الجماعات المتطرفة، وقد تم اقتباسها بالفعل في مؤسسات أمنية غربية وعربية، وقيام الاستخبارات السعودية بتحرير نائب القنصل السعودي في عدن، وبدون خسائر مالية أو في الأرواح، يشكل إنجازا ضخما بالمعايير الأمنية، قياسا على تجارب سابقة نفذها المصريون في قبرص، والأمريكان في إيران، والروس مع رهائن المسرح في موسكو، وفي العادة يكون اختيار رجال الاستخبارات السعودية بعناية، وفي الغالب من بين المتفوقين والمميزين في التخصصات المدنية والعسكرية، ومن ثم يخضعون لتدريبات قاسية ودقيقة جدا، والعمل الاستخباري في المملكة يتحرك ببطء، ولكنه يصل دائما إلى هدفه ــ بإذن الله. الاستخبارات استفادت من خبرة خالد الحميدان في المباحث العامة، واستطاعت من خلاله تحقيق انسجام خاص بين أولويات الأمن السياسي في الداخل، وبين متطلبات الاستخبارات الدفاعية والهجومية والاستراتيجية، أو بين الحميدان المباحثي ونائبه الإدريسي الاستخباري، والمباحث والاستخبارات في المملكة تشبه الـ«إم آي فايف» و الـ«إم آي سيكس» البريطانيتين، وآليه عملهما تقترب نسبيا من الـ«سي آي أي» و«إف بي آي» الأمريكيتين، والمعادلة الأمنية الناجحة تحتاج إلى الاستفادة من عقل رجل الاستخبارات وذاكرته الفوتوغرافية ومهاراته القتالية، ومن الخبرة المتراكمة لرجل المباحث ومواجهته شبه اليومية مع الإرهابيين، وبالتالي قدرته على اجتراح المستحيل من رحم الممكن، والخروج بحلول إبداعية. حكاية الخالدي كتب فصلها الأول في الثامنة والنصف من صباح الأربعاء 28 مارس 2012، وآخر الفصول كان في السادسة من مساء الإثنين 2 مارس 2015، وجاءت خاتمتها بمواصفات سعودية لا تشبه إلا نفسها، وسيأتي بدون شك من يحاول دس السم في الدسم، ولكنه سيتعب جدا قبل أن يثبت شيئا من أمنياته، وربما أودع مستشفى الصحة النفسية، أو تحول إلى درويش يكنس شوارع لندن أو واشنطن، فرسالة المملكة واضحة، وتعاملها مع الإرهاب لن يرتهن للصفقات والمساومات الانتهازية والرخيصة، ولن يقبل النقاش حولها من الأساس.