إنني وحسب ما خبرته شخصياً، فإن المعهد العربي الإسلامي في طوكيو هو النافذة «الحقيقية» الأبهى والأنجح حتى الآن التي يستطيع أن يطل منها اليابانيون للتعرف على شعب الجزيرة العربي المسلم. يقع المعهد في أحد أرقى أحياء طوكيو. ولديه مبنى مستقل كبير ومملوك لجامعة الإمام. والحديث عن توفر مبنى لمؤسسة حكومية ليس من المواضيع التافهة. فجميعنا يعرف الحالة المزرية لمبانينا الحكومية التي أغلبها تكون إما مستأجرة أو قديمة وفي كل الأحوال لا تفي بالخدمة المطلوبة! صحيح أن مبنى المعهد في طوكيو شيد أصلاً لكي يكون داراً سكنية، لكن حور بشكل ممتاز كي يكون معهداً محترماً. وإن كان من الأفضل من وجهة نظري لو فكر المسؤولون بشكل جدي ببيع المعهد الحالي بثمن هو بلاشك أعلى بكثير من قيمة شرائه، وبناء مبنى جديد يصمم أصلاً كي يكون معهداً. وما أعجبني أيضاً في المعهد، جودة الأثاث. فالتأثيث لعلم من لا يعلم، هو إحدى الساحات الخصبة التي يعشعش فيها الفساد في بعض مؤسساتنا الحكومية. وبالنسبة للمعهد فإني أتصور أنه قد أُثِّث بأفضل الأثاث وأجوده. وهذا هو المطلوب أن نراه في أجهزتنا الحكومية كلها لأن هذا هو الاقتصاد والتوفير الحقيقي. لا أن يُؤتى بأثاث خائس وبأثمان عالية وهمية، ويكون على حساب المؤسسة وخدمتها المقدمة للناس. أما بالنسبة للدورات التي يقدمها المعهد فهي حسب استطلاعي الشخصي مفيدة. لكن، هل هذه الدورات والنشاطات العلمية والثقافية كافية؟ وهل هي منسقة ومنظمة في استراتيجية متكاملة ومرحلية؟ أعتقد أن المعهد في حاجة لتفعيل طاقاته البشرية والمادية الممتازة للقيام بأدوار أكبر وأعمق في النشاطات الثقافية والفكرية من خلال بناء خطة استراتيجية متكاملة في هذا الجانب لفترات زمنية طويلة وذات أهداف محددة وخطوات تنفيذية واضحة. إن المملكة بل والعرب والمسلمين في حاجة لمثل هذا النوع من القوة الناعمة للانطلاق أبعد من قصر النشاطات لتحسين الصورة وكردة فعل لأحداث سياسية مؤسفة يكون السعوديون طرفاً فيها. أحسب أيضاً أنه يؤخذ على المعهد عدم الاستفادة من الطاقات اليابانية المسلمة التي تتحدث اللغة العربية بطلاقة، في إطلاق برنامج لترجمة كتب دينية وثقافية وفكرية مميزة. كأني أرى الآن، الأثر الكبير لو ترجم كتاب «المستطرف» مثلاً إلى اليابانية، في تحبيب اليابانيين في الثقافة العربية، وسيكون لهم مدخل في تعلم لغتها وربما اعتناق الإسلام. وأرى أنه أيضاً من الواجب الاستفادة من الطاقات الإبداعية الممتازة أيضاً للطلاب والطالبات السعوديين الدارسين هناك باعتبارهم أحد جسور التواصل بين المعهد والجامعات والمجتمع الياباني بشكل عام. ومن الخدمات التي يقدمها المعهد، هو توفير مطعم داخلي لمنسوبيه وطلابه وزواره. ويشكر من سعى لإيجاده لتفتحه الذهني لأنه لم يقل إن هذا معهد للتدريس وليس بمطعم. فمن يعيش في اليابان يعرف المعاناة الكبيرة التي نعانيها كمسلمين في إيجاد الأكل الحلال والمتوافق مع ذوقنا العربي. فكم مرة ذهبنا إلى المعهد خماصاً وعدنا منها بطانا. بل يكفي أن منسوبي المعهد يتحلون بأساسيات الخلق الإنساني والكرم العربي بتقديمهم القهوة والتمر في كل وقت لضيوفهم وزوارهم. وأجود ما يكونون في رمضان وأوقات الأعياد. بيد أن أهم ما يميز المعهد هو النوعية الأنموذجية لمنسوبيه السعوديين وغير السعوديين. وأكثر ما استوقفني عند التعامل معهم، غلبة طابع الإيجابية على نفوسهم، وكثرة المثقفين بل والحكماء فيهم، والصدق في اللهجة، والمروءة العربية في المعاشرة والمعاملة. ومما يثلج الصدر أيضاً إحساسي باستشعارهم المسؤولية الموكلة إليهم أمام ربهم أولاً وأخيراً. قد يقول قائل، ألهذه الدرجة تشكرهم وعلى أدائهم واجباً من واجباتهم. وأرد على من يقول ذلك أنه لا يعرف حال الإدارة في بلادنا جيداً. فالدولة وفقها الله تضع الميزانيات لكن يخذلها الإداريون. لهذا فإني عندما أرى نخبة كالتي في المعهد العربي الإسلامي بطوكيو، أشكر الله سبحانه وتعالى أن مكن مثل هؤلاء الرجال من أجل نشر دينه وتقديم الصورة المثالية للمسلم و«العربي» الأصيل. وأخال أن اليابانيين ومن خلال المعهد ظنوا بنا ظناً حسناً أن كل عرب الجزيرة هم ساموراي، طيباً وكرماً وشجاعة ورجولة. ليس كأماكن أخرى تكاد أن تهم بالدخول إليها برجلك اليسرى وأنت تقول اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث! ولتحقيق استراتيجية طموحة مثل التي أشرت إليها بأعلاه، فإن المعهد في حاجة لزيادة عدد موظفيه السعوديين أكثر من العدد الموجود حالياً، وأن يراعى في اختيارهم أن يكونوا إضافة نوعية للمعهد. على الرغم أنني وجدت فيمن قابلت في المعهد من هم منابيع للحكمة وطاقات ثقافية عظيمة، لكنهم ليس لهم الدور الأكبر في صنع القرارات لذا فهم في حاجة لثقة أكبر وصلاحيات أوسع حتى نرى ثمار أعمالهم. أرجو من المسؤولين في جامعة الإمام رجاءً كبيراً وبشكل سريع، القيام بسعودة الوظائف الموجودة في المعهد خصوصاً في قطاع التدريس. إنه لمن نافلة القول التحدث عن مزايا توظيف السعوديين، لكن ألا يكفي حجة أن يكون أبناء البلد هم أحق الناس بالاستفادة من خيراته. كلنا يعلم أن بعض المديرين نحسبهم مِنّا ولكنهم علينا باستبعادهم أبناء جلدتهم في التوظيف، وتقريب الأجانب حتى يمارسوا عليهم عنترياتهم ويضمنوا عدم منافسة السعوديين لهم مستقبلاً.