في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم يسبق أن عرفت عاصمة ما هذا العدد من القادمين من أجل تجديد الثقة والصداقة والاعتماد على موقع السعودية في سياسات العالم. في السياسة خياران، أحدهما أكثر سهولة من الآخر: إما كسب الأصدقاء، وإما كسب الأعداء. الأول له نتائج واضحة، على الدولة وعلى شعبها وعلى سيادتها. الثاني له نتائج أكثر وضوحا. فيما كانت الرياض تستقبل العالم، كانت طهران تعرض البوارج عند باب المندب، الذي سمي كذلك لكثرة ما أدّى إلى الندب والنواح، والذي يبعد نحو خمسة آلاف كيلومتر عن القدس. اختارت إيران سياسة أن تخيف، لا أن تطمئن. أن تبني قوة نووية، لا يمكن استخدامها إلا بما يؤدي إلى تدمير نصف العالم على الأقل. ولو كان مشروعا سلميا حقا لانتهى من زمان ولم يكن في حاجة إلى كل هذه المفاوضات والمماحكات. وترفع إيران شعار إغراق إسرائيل في البحر، لكنها تقاتل علنا في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان. ولا شك في التفاخر الإيراني بالقوس الممتد من لبنان إلى اليمن. لكن ما هو نوع الانتصار؟ أي انتصار هو في العراق، أو في سوريا؟ وكيف يمكن أن يرى من خلال كل هذا الدمار؟ وما هو انعكاس العزلة الإيرانية على شعبها وحياته وتقدُّمه؟ وهل تصدق طهران حقا أن المواطن الإيراني يشعر بالسعادة حين يرى أرزاقه تبدد في ركام الآخرين؟ دخلت مرة في نقاش في القطار المتَّجه من بلغاريا إلى رومانيا (درجة سياحية). كان المشاركون نحو أربعة أو خمسة لا أعرف لغاتهم ولا يعرفون الإنجليزية. تحدثنا بالإشارات. وسحب أحدهم علبة سجائر من جيبه ولوح بها في وجهي قائلا: «إنني أدفع أربعة قروش زيادة على ثمنها من أجل حروبكم الخاسرة!». منه عرفت موقف الشعب البلغاري. أما موقف الدولة فكان منصوصا يقرأ في صحف فارغة تردد كل يوم أنشودة الغراب والبوم. ولكن على من يمكن المغامرة بمشاعر الناس وإقناعهم بأن المعنى الوحيد لحياتهم هو الموت في بلاد الآخرين! ربح الاتحاد السوفياتي حروبا كثيرة. وبنى أساطيل عظيمة مخرت كل البحار. ونسي أن يؤمن ما يكفي من زراعة الملفوف. الخيار الآخر أقل كلفة بكثير: البحث عن أصدقاء وشركاء وحلفاء، خصوصا بين الجيران. لقد أخاف الشاه جيرانه وتغطرس عليهم وعاملهم كأن لا وجود لهم. الغطرسة ليست فوزا.