الوصاية هي أحد فنون نرجسية القرار والتقرير للآخر، والتي تعوّد واستمرأ ممارستها أشخاص نصّبوا أنفسهم أوصياء على فئة من الناس، بدعوى الولاية القبلية أو غيرها، حيث مارسوا التسلط على حرية الآخرين، وتسلطوا على قراراتهم وسلوكهم الشخصي، بل تجاوزوا ذلك من خلال إيحاءاتهم إلى ارتهان تسيير خطوات مستقبلهم نحو الوجهة التي يريدونها لأهداف وغايات ضيقة اجتماعياً، لم يعد الكثير من أفراد المجتمع يتقبلها بكل صورها، ومن جهة أخرى نحو أهداف حركية مستغلة العاطفة الدينية لدى الكثير من أفراد المجتمع، ولكن بالرغم من ذلك وفي إطار هذا الزخم الهائل من مخرجات برامج التواصل الاجتماعية والشراكة الحضارية وفي إطار منظومة القرية الكونية لم يعد هذا النوع من الوصاية مقبولاً لدى الكثير من الشباب الواعي، وبالتالي أصبح جيل اليوم يرفض ذلك اللون من الوصاية، وحتى لا نكون متفائلين إلى ذلك الحد فإنه يجب الاعتراف بأنّ هناك من يحاول استغلال هذا التفاوت بين أفراد المجتمع، والعودة به إلى المربع الأول. لذا على منابر التوعية والتوجيه أن تعمل بكل جد وجهد من أجل كشف أهداف وغايات هؤلاء الذين أرادوا فرض وصايتهم اجتماعياً وفكرياً، والتأكيد أنّه لا وصاية لأحد على الآخر، إلاّ وفق ما جاء به القرآن والسنة النبوية المطهرة، هذا وفي إطار السلوك العام يجب التقيد بما تفرضه الأنظمة والقرارات الرسمية التي تسنها ولاية ولي الأمر، عدا ذلك يعتبر تسلطا وتعديا على الحرية الشخصية يجب رفضه وعدم الانصياع له. رفض الوصاية وذكر "محمد المويعزي" -إعلامي- لا شكّ أننا جميعاً مررنا بتجارب كثيرة في حياتنا الاجتماعية، فيها السلبي ومنها الإيجابي، ولعل من أهم تلك التجارب التي عايشناها ذلك الشيء من سلبيات الوصاية وعما كان يؤرقنا منها، إذ إنّ فرض الوصاية أصبح قضية مؤرقة ومرفوضة، وكثير من شبابنا أخذ يتحسّس منها لدرجة ما يسمى بالتمرّد عليها، أو بالأحرى وبلغة قد تكون أقل حدةً أصبح يملّها ويتململ منها، بل ويشكك في مصداقيتها، حتى وإن قدمت له من أهل العلم والمعرفة والمشورة!، وذلك في ظل هذه المتناقضات المخيفة التي طرأت على السطح في الآونة الأخيرة، موضحاً أنّه حينما نتوقف عند الوصاية ونرى كيف أنّها أثبتت فشلها ومساوئها النفسية والاجتماعية على الغالبية -ما لم يكن الكل-، وحتى وإن وافقت الوصاية المعنية كل الشروط بغض النظر عن الإملاءات، فما نراه الآن ونشاهده من شبابنا هو أشبه بحالة الرفض الجماعي لكل مناصحة توجه له؛ بسبب أنّه ينظر لها على أنها تدخل صارخ في شؤونه وأموره الخاصة. احتواء الشباب وبيّن "المويعزي" أنّه في ظل هذه الرؤية للوصاية ورفضها من الشباب فإنّه يجب أن نعيد النظر لمحاولة احتواء الشباب، والابتعاد عن كل ما يزيدهم نفورا وبُعدا وتمرّدا، إذ يجب أن نشاركهم همومهم، ونستمع لهم ونحاورهم محاورة الصديق لصديقه، بعيداً عن أسلوب الأستذة، والإيحاء لهم بأننا الفاهمون والمدركون، مشدداً على ضرورة أن نسايرهم ونعلم بأن الزمان لم يعد كزماننا، والجيل لم يكن هو الجيل الماضي، والشارع ولغته تفرض علينا شيئا من التنازل عن الكثير من القناعات المترسبة في عقولنا، مؤكّداً على أهمية البعد عن حدّة الانتقادات في اللباس، والأكل، والشرب، وبعض التصرفات، طالما لم تخرج عن إطار وحدود الدين والأخلاق والأدب، كما يجب أن لا ندقق في كل التفاصيل؛ لأننا سنتعب كثيراً وسنتعبهم معنا، وستكون الفجوة بيننا أكبر وأكبر، والحقيقة أن التفاصيل كثيرة ومتشعبة حول هذا الجانب والسواد الأعظم يعلمها. المجتمع «واعٍ ، منفتح، يعرف مايريد».. انتهى زمن «التبعيّه» وأضاف أنّه يجب أن نعود لديننا القيّم وسماحته وأن نعطي اهتماماً لأروع ما في ديننا الحنيف، من قيم إنسانية مجردة سامية ونبيلة، تتمثل في العلاقة العمودية والمباشرة بين الخالق والمخلوق، فلا وصاية لأحد على الآخر إلاّ وفق ما جاءت به تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، أما تلك الوصاية التي يحاول بعض الأشخاص فرضها على الشباب أبناء هذا الجيل، إما أن تكون وصاية فكرية أو نحو ذلك فإن جيل اليوم لم يعد ينتظر من غيره أي نوع من أنواع الوصاية. تفكير بالإنابة واعتبر "منصور المشيقح" -شاعر- أنّه من المقلق والمؤلم جداً أن تجد شخصا يحاول أن يفكر بالإنابة عنك، أو أن تكون أفكارك كما يريد هو، حيث أنّ هذا -للأسف- ما يحدث بواقعنا اليوم نتيجة البطالة والفراغ وقلة التوعية والتوجيه، سواء في المدارس والجامعات والخطب في المساجد وغيره، ونتيجة ما يمارسه الآباء لأبنائهم بلا وعي ولا يتركون فرجة خيار يتنفس منها الأبناء وينفردون برأيهم دون وصاية وتوجيه؛ مما تسبب في حدوث فجوة كبيرة لوصول الأجندة والمحرضين لأبنائهم بكل يسر وسهولة، لتبدأ مرحلة نهاية البداية، لكونهم سلموا فلذات أكبادهم للطرف الآخر، ليجد الأبناء لأنفسهم ما كان ينقصهم وما فقدوه من كلمات تدغدغ مسامعهم وتلامس عواطفهم ومشاعرهم، منوهاً بأنّ ذلك عادةً ما يكون تمهيداً للوصول إلى عقولهم البسيطة، وإغرائهم مادياً ومعنوياً، لصنع بيئة خصبة قادرة على احتضان سلوكيات التمرد الفكري، والحركي، واللفظي، تجاه الوطن وقادته، ومشايخه، وعلمائه، ورموزه الدينية، والاجتماعية، بالتحريض والتكفير، من خلال بث سمومهم عبر شاشاتهم، وبرامجهم الإعلامية، بهدف تفكيك اللحمة الوطنية وزرع الفتنة، باستعطاف العقول، والمتاجرة بالموعظة، والكلمات الجياشة، والقصص المعسولة تارة، وبالدموع المصطنعة أخرى. أهداف مشبوهة ولفت "المشيقح" إلى أنّ كل هذه الصور من أشكال الوصاية الهدف منها كسب الأبرياء أصحاب العواطف الضعيفة والقلوب الرقيقة، خاصة من الشباب والنساء الذين سلموا عقولهم وقلوبهم لهؤلاء المحرضين، ومشوا خلف أفكارهم المزيفة التي عُملت لبث الفكر التكفيري، فرأينا أنّ لهم في كل محفل رأياً، وفي كل قضية حضوراً، وفي كل مشكلة أنفاً، حتى لو لم يكن لها علاقة بالدين، فمنحوا أنفسهم حق الوصاية على خلق الله في كل شؤون الناس، وأسسوا لهم حضوراً مزيفاً، وحظوة اجتماعية كاذبة، خادعة، منافقة، حيث استطاع الخاطفون العمل على أهدافهم ومخططاتهم، قبل أن يتدارك الناس أنّهم خُدعوا لعقود زمنية طويلة، من خلال دعوات الجهاد الكاذبة في الداخل والخارج، تلك الدعوات التي اختطفت براءة الأعمار والأجساد من أسرهم، وزفت بهم ظلماً وعدواناً وإجراماً إلى ساحات الفتن وميادين القتال الغامضة، فأصبح بعض أبناء الوطن وشبابه الأبرياء وقوداً رخيصا لحرب لا ذنب لهم فيها، وأثماناً بخسة لتجارة طائفية ليس لهم علاقة بها، كان ذنبهم الوحيد أنّهم خرجوا عن طاعة الوالدين، وولاة الأمر، والمشايخ، وسلموا عقولهم في لحظة ضياع ذهني إلى أشخاص قادوهم إلى ذلك المصير الظالم، فأدركوا متأخرين وبعد فوات الأوان -وأدرك أهلهم- أنّ تلك العقول والأجساد الشابة كانت ضحية لخطف منظماتهم العدوانية. وصاية اجتماعية وقال "أحمد الصقري": "للأسف في مجتمعنا أصبح بعض الناس يقيّم الناس بحسب مظهرهم أو بحسب وضعهم الاجتماعي أو بحسب الانتماء للقبيلة، وأصبح هناك من يحاول أن يفرض وصايته على المجتمع في مظهره واختياراته العامة والخاصة فتجده يثني على من يتفق معه في رؤيته ومن يسير معه في هواه، بينما ينتقد كل شخص لا تنسجم سلوكياته من وصايته"، موضحاً أنّه ربما واجهه مهندس أو طبيب أو غيره ممن يحمل الشهادات العلمية والتأهيل الكافي، لكنه في الوقت نفسه يحاول أن يكون له وصاية عليه في أي مجال اجتماعي ليضمن لنفسه تبعية هذا الشخص، وتوجيهه إلى الوجه التي يريدها، ومن يخالف رأيه أولا يكن على الهيئة والصفة التي يريده أن يكون عليها فإنه يكون عرضة للنقد والتقليل من شأنه، لافتاً إلى أنّه في المقابل يرفع من شأن شخص آخر قد لا يكون له قيمة اجتماعياً، كل ذلك من أجل أنّه من طينته أو يسير وفق هواه، وبالتالي أصبح هذا الشخص كأنّه هو المكلف بتقييم هذا المجتمع، ولا يكاد أي إنسان أن يفتك من لسانه، أو من نقده، حتى يأتي على هواه ورغباته، والتي هي تمثل الوصاية على حركات وسكنات الناس، ولذلك فإنّ هؤلاء الأشخاص هم الذين أضروا بالمجتمع ومن النهوض به ومن خلالهم تكمن الخطورة. الوصاية الدينية وأضاف "الصقري" أنّ مجتمعنا وإن كان يعاني ممن يحاول فرض الوصاية الاجتماعية والسلوكية على بعض أفراده، إلاّ أنّ هناك وصاية من نوع آخر يحاول البعض فرضها على من حولهم، حيث إننا في الآونة الأخير نلحظ بأنّه يمر بتيارات مختلفة تعدت مرحلة الوعظ والتوجيه والتوعية، إلى مراحل أصعب من ذلك، وهو الإقصاء، والهجر، كل ذلك نتيجة أنّ هناك من يريد أن يبسط نفوذ وصايته على الجميع، ومن يختلف معه في توجهاته فإنّ مصيره الإقصاء، مبيّناً أنّ كل هذه الأشياء ليست من الإسلام في شيء، حيث إنّ مبدأ الاختلاف وارد في كل الأمور، لكن ما نحذر منه أن يؤدي ذلك إلى الخلاف الذي قد يستغله أعداؤنا استغلالاً سيئاً.