يعكس تعليق ادارة أوباما الجزئي للمساعدة المخصصة لمصر محاولة للموازنة بين ما سماه الرئيس اوباما «صلب المصالح» الأميركية، كأمن اسرائيل ومكافحة الارهاب، وبين دعم الولايات المتحدة للقيم الليبرالية. تتلخص الفكرة في ان الولايات المتحدة تستطيع إنزال العقاب بالنظام الذي يدعمه الجيش لعدم دفعه قدماً بجدول اعمال ديموقراطي، من خلال عدم تسليم بضع مروحيات ودبابات فيما يستمر التعاون في المسائل الامنية من خلال تسليم قطع الغيار. لا تبدو الرسائل المختلطة كافية لقلب المسار الذي يمضي فيه الفريق عبد الفتاح السيسي الذي يسيطر على الحكومة الموقتة والذي ينمّي دوراً خاصاً به كرجل قوي شعبوي ووطني. وتبدو الرسائل كذلك رهاناً ضعيفاً للدفاع عن المصالح التي قدّمها اوباما على الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الانسان، في خطابه الاخير امام الامم المتحدة. في واقع الأمر، يضاف سفك الدماء الذي تجدد في القاهرة يوم الاحد في السادس من تشرين الاول (أكتوبر)، والذي قتل فيه خمسون متظاهراً معارضاً برصاص قوات الامن، الى البراهين المتزايدة عن ان نظام السيسي يخفق في فرض سلطته. يعود سبب الفشل مباشرة الى محاولته اقامة نظام فردي اكثر قمعاً من أي نظام سابق شهدته مصر منذ عقود. وبرفضه دعوات الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الى التفاوض مع «الاخوان المسلمين»، يسعى نظام السيسي الى تدمير الحركة الاسلامية بالقوة. وألقي مئات من قادة الحركة في السجون من دون توجيه اتهامات وتعمل سلطات الدولة على حظر المنظمة ومصادرة ممتلكاتها. محاولات أنصار «الإخوان» تنظيم مسيرات احتجاج على غرار تلك التي جرت في القاهرة يوم الاحد، تقابل برشقات من الرصاص. تكتيكات النظام مرفوضة على اسس حقوق الانسان، لكنها ايضاً ذات مردود عكسي كارثي. ترجع المحاولات السابقة لسحق «الإخوان المسلمين» الى الخمسينات من القرن الماضي، ولم تنجح سوى في دفع الحركة الى العمل السري، وقوّتها في نهاية الأمر. ربما يكون القمع الحالي أشد خطراً، حيث يستدعي هجمات معاكسة عنيفة من الناشطين الاسلاميين، استهدف عدد منها منطقة قناة السويس. وللمرة الأولى بدأت تظهر في مصر السيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية. ويسعى مسؤولو ادارة اوباما الى حمل النظام على وضع دستور جديد كبرهان على تقدمه صوب الديموقراطية. لكن الميثاق الموضوع من قبل اختارها الجيش بدقة، سيضمن للقوات المسلحة تعيين برلمانات شكلية. وتبقى حالة الطوارئ قائمة وتردد كل وسائل الاعلام الدعاية الرسمية بما فيها الحملات على الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والمنظمات المؤيدة للديموقراطية. على الصعيد الاقتصادي، تعاند حكومة السيسي النصيحة الغربية والحس السليم بتبنيها اجراءات شعبوية من نوع الزيادة الضخمة على الحد الادنى للاجور والقانون الذي يفوض الحكومة تقليص سعر الغذاء. الاجراءات هذه التي باتت ممكنة بفضل المعونات التي قدمتها دول الخليج، ستفاقم من سوء الازمة الاقتصادية التي سببها انهيار السياحة والاستثمار الاجنبي. وتسعى الولايات المتحدة الى استقرار الوضع في مصر في ظل «حكومة مدنية منتخبة ديموقراطياً تضم الجميع وتستند الى حكم القانون والحريات الاساسية وعلى اقتصاد مفتوح وتنافسي»، على ما قالت وزارة الخارجية يوم الاربعاء في اعلانها السياسة الجديدة في المساعدات. المشكلة انها بمقاربتها المرتبكة تبدو كمن يزال يراهن على نظام لا يوفر أي من هذه المطالب. * افتتاحية، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 11/10/2013، إعداد حسام عيتاني