رغم مرضه وعمره الذي ناهز 75 عاما، لا يزال أبو سيروان يذهب كل ثلاثة أيام أو أربعة إلى حمام صورة وسط مدينة السليمانية بكردستان العراق. يحمل أبو سيروان حقيبة ملابسه ومستلزمات الاستحمام، ويمشي ببطء من بيته في حي شورش باتجاه الحمام الذي يعد من أهم وأقدم المعالم التاريخية في المدينة. حمام صورة الذي يستقبل الزبائن منذ 229 عاما، يقع وسط سوق شعبية بشارع محوي الذي يعج بالحركة من الصباح الباكر حتى المساء. وكانت السليمانية تضم العشرات من الحمامات الشعبية للرجال وأخرى خاصة بالنساء، يرتادها الأهالي طيلة شهور السنة، إلا أن العديد منها أغلقت أبوابها لأسباب مختلفة. يقول أبو سيروان للجزيرة نت إنه اعتاد على الاستحمام في صورة منذ أن كان طفلا صغيرا، مضيفا أجد فيه متعة كبيرة لا توفرها لي الحمامات التي بنيتها في البيت رغم أنها حديثة وتتوفر فيها كل الاحتياجات اللازمة. عشق واستحمام وعند باب الخروج، استوقفت الجزيرة نت أحد الزبائن الذي أنهى للتو استحمامه، فتحدث عن عشقه لهذا الحمام التاريخي وكيف يلجأ له لأخذ قسط من الراحة في صالته الساخنة. ويضيف دلير حمد -وهو سائق شاحنة- أنه يتمنى أن تلغى الغرف الفردية التي استحدثت مؤخرا للاستحمام، لأن ذلك غيّر معالم الحمام الداخلية وفقده هيئته الأولى. وما إن تدفع باب صورة الواقع على الشارع العام حتى تأخذك درجات ممر ضيق بعرض متر ونصف متر إلى الأسفل، حيث القاعة الكبرى وهي مكان لاستراحة الزبائن ومحل لإدارة الحمام أيضا. ومن الاستقبال يتجه ممر آخر إلى قاعة ثانية تمثل المسبح حيث يستحم الزبائن في غرف فردية. بُني سقف وهيكل كلتا القاعتين على هيئة قبة كبيرة كما هو طراز بناء الحمامات في عموم العراق، بالجص والحجر. ويقول المسؤول عن الحمام سركوت الحاج علي للجزيرة نت إن تصميم حمامات حديثة وبناءها في المنازل خفض عدد الزبائن، وأدى لقلة اهتمام الدوائر الحكومية المعنية وخاصة الآثار التي لم تقدم شيئا يذكر لهذا المعلم الأثري المهم، ولولا الصيانة التي نقوم بها بين فترة وأخرى لأصابه ضرر كبير. وبحسب المصادر التاريخية فقد بني حمام صورة في نهاية القرن الثامن عشر، وتحديدا في عام 1785. معلم تاريخي وقد بنى الحمام آل بابان وحمل اسمهم ليكون شاهدا على تاريخ مدينة السليمانية الذي يعود إلى 230 سنة خلت. ويضيف علي استأجر والدي الحمام عام 1968، وما زالت معالمه التراثية كالهياكل والسقوف على حالها. أما الصور فقد تشوه منظرها ورفضت مديرية الآثار في السليمانية تخصيص مبالغ لصيانته مما اضطرنا لإجرائها على حسابنا الخاص. ويضيف أن والده كان يرأس جمعية الحمامجيين في السليمانية، وأنه ورث المنصب منه بعد وفاته. وتمثل الجمعية جهة وصل بين أصحاب الحمامات والسلطات المحلية لتأمين استمرارية العمل واحتياجاته من محروقات ومواد تعقيم وتنظيف وغيرها. ولفت إلى أن الاغتسال في الحمام كان جماعيا إلى غاية عام 2001، حيث تم استحداث 14 غرفة خاصة للاستحمام الفردي، بناء على رغبة الزبائن وتماشيا مع التطور الحديث مما غير في البناء الداخلي للمكان.