×
محافظة المنطقة الشرقية

رياضي / كأس خادم الحرمين الشريفين: الاتفاق يتأهل على حساب الوادي الأخضر

صورة الخبر

تم الإعلان عن القمة التي تجمع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم السبت 28 فبراير/شباط 2015 في الرياض، في زيارة رسمية لأردوغان تمتد ثلاثة أيام. عقب تولي الملك سلمان الحكمَ في المملكة العربية السعودية، أدركتُ أن قمة سلمان/أردوغان ستنعقد لا محالة، وقد أخبرت صديقاً عزيزاً بذلك، وكدت أن أكتب مقالاً في حينها، بيد أنني ارتأيت التريث بعض الوقت. ولعل في التأخير خيراً ونضجاً للأفكار، وتثبتاً من التحليلات والاستنتاجات الأولية. لحظة سلمان/أردوغان! هل نشهد لحظة زمنية فاصلة بانعقاد قمة الزعيمين الكبيرين "سلمان/أردوغان"؟ يبدو أننا على أعتاب شيء من هذا. في البدء، آمل ألا يكون العنوان يشي بأنني أقلل من شأن التاريخ وملفاته وتغذياته الذهنية والثقافية والسياسية (الإيجابية والسلبية على حد سواء)؛ كلا، ولكنني أسعى بذلك إلى سكب قدر أكبر من الأهمية على الجغرافيا، في سياقات باتت معها هموم الجغرافيا وتحدياتها "طافحة" و"فاضحة" في مشهدنا العربي والإقليمي. حقبة ما بعد 2011 (أو ما يسمى بالربيع العربي) أوجدت قدراً كبيراً من التغيير البنيوي، لا في السطوح والجدران بل في الأعماق والتأسيسات، وهزت كثيراً من القناعات والممارسات والأنساق المجتمعية والسياسية، وأزالت أنظمة حاكمة، وهددت الوحدة والاستقلال، وجلبت معها أرتالاً "عشوائية" من الأفكار والتوجهات الجديدة، مع قوائم "مرتبكة" من المطالبات والطموحات والأولويات والمهام، والشخصيات والرموز والجماعات والأحزاب والتكتلات. وجاء كل ذلك في سياقات تمددٍ كبيرٍ وسريعٍ لبعض القوى في المنطقة العربية، وعلى رأسها دولة إيران بخططها وتحركاتها "الطائفية" المقلقة، فإيران تمددت أذرعها الاستخباراتية والسياسية والعسكرية بشكل مباشر في العراق وسوريا واليمن، فضلاً عن لبنان وتحركاتها الخفية في بعض دول الخليج العربي، وباتت تشكل تهديداً متنامياً للدول الخليجية، وبمعنى أدق لبعضها. والذي يجعلني أقول لبعضها هو أننا نرى -رأي العين- بعض الدول الخليجية للأسف الشديد ترتب مع إيران في الخفاء والعلن، بطريقة تجعلنا نستنتج أن ثمة تفاهمات "مريبة" على أقل تقدير، ونحن لسنا أغبياء، ولكننا نعول على الأخوة والجوار والمصير المشترك، ولعل ذلك يصحح المسار، في القريب العاجل! ويدخل في تمدد القوى بالمنطقة بروز حركات الإسلام السياسي ووصولها إلى سدة الحكم أو ما يقترب من السدة، في ظل خطاب سياسي يبعث على قلق بعض الحكومات والشعوب أيضاً، بالإضافة إلى خلق جماعات جديدة للعنف والإرهاب في الإطارين السني والشيعي (مع الجماعات القديمة أو القائمة)، والسعي لتمكين "السلفية السنية" و"السلفية الشيعية" من تحريك تروس التكاره والتنافر، وتغذية أفكار التحارب الطائفي وإمداد الجماعات التي تنشط في هذا الفضاء الموتور. هذا فضلاً عن تحركات الدول الكبرى ودعمها السافر للكيان الصهيوني، والجهود التخطيطية والتنفيذية الرامية لاستمرار مسلسل التدمير والتفتيت لكل ما هو عربي وإسلامي في المنطقة. قمة الرياض: من "خامد التاريخ" إلى "هائج الجغرافيا"! الحيثيات السابقة تقودني إلى التشديد على أن طرحي هذا يجهد لأن يلقي أضواء كاشفة على "هائج الجغرافيا" في لحظات مفصلية تستلزم منا درجة كبيرة من العقلانية السياسية؛ التي تسكّن "خامد التاريخ"، وأعني به قطعاً "الخامد السلبي"، سواء كان لدى هذا الطرف أو ذاك. فقمة "سلمان/أردوغان" ليست خبراً للماضي، بل حدثاً للمستقبل وصناعة له، وإعادة تشكيل لمعالمه وحدوده وفرصه وتحدياته، بما يحقق مصالحنا العليا، في ظل إرث مشترك إيجابي يسعنا ويسع الأجيال القادمة، لتنعم بسلام ورفاهية وحرية وكرامة وعدالة. " قمة "سلمان/أردوغان" ليست خبراً للماضي، بل حدثاً للمستقبل وصناعة له، وإعادة تشكيل لمعالمه وحدوده وفرصه وتحدياته، بما يحقق مصالحنا العليا، والتحديات التي تحيط بنا توجب أن تكون "قمة الرياض" بداية تحالف إستراتيجي وثيق، لا مجرد "تفاهمات تكتيكية" تحقق أهدافاً جزئية أو عابرة " والتحديات التي تحيط بنا توجب أن تكون "قمة الرياض" بداية تحالف إستراتيجي وثيق، لا مجرد "تفاهمات تكتيكية" تحقق أهدافاً جزئية أو عابرة، فالبلدان عملاقان، ويمتلكان مقومات كبيرة لإنجاح هذا التحالف الإستراتيجي المنشود، وتغذية المصالح المشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وخاصة أن تحركات إيران -بأذرعها الخفية والمعلنة- تخدم أهدافاً طائفية لم تعد خافية علينا ولا على غيرنا، وتشكّل السعودية وتركيا قطبين كبيرين للإطار الإسلامي السني، مما يخلق توازناً في القوى، وربما يعيد هذا التوازنُ الأمورَ أو بعضَها لشيء من الرشد السياسي، والبعد عن النفخ في نيران الطائفية البغيضة والأحقاد التاريخية التالفة المتلفة. عوامل نجاح حرجة للقمة السلمانية/الأردوغانية السياسة لا تحركها العواطف ولا الرغبات ولو كانت صحيحة أو مشروعة، بل المصالح المتحققة أو المأمولة، وتعضيد القوى والتوازنات الضرورية لبقاء الكيانات السياسية والنماء للكيانات الوطنية. ومما لا شك فيه، أن ثمة ملفات وقضايا ساخنة يتوجب حسمها لكي تنجح "القمة السلمانية/الأردوغانية" في تحقيق هدفها الإستراتيجي الكبير. ولعلي أشير إلى ما يمكن أن نعده "عوامل نجاح حرجة" في هذه العلاقة التي نتطلع إلى تمتينها بين العملاقين السعودي والتركي، ولتكن في نقاط مختصرة، ففي الإشارة غنية وكفاية: 1- ضرورة تجنب الإرث التاريخي السلبي، وهو كل ما يبعث على خلق أجواء أو مشاعر من الشك والريبة والتنافر بين الطرفين، فنحن أمام واقع جديد بحقائقه الثابتة الراسخة، ومن ذلك الكيانات الوطنية ذات الوحدة والاستقلال والاستقرار، والكيانات السياسية الحاكمة. ونحن حينما نشير إلى ذلك المعطى التاريخي فإن ذلك يعني أننا نختار -بكامل قوانا الواعية- الانحياز الطوعي التام إلى الجوانب الإيجابية في التاريخ والحاضر، والتعويل على كل ما يشكل مستقبلاً مشرقاً لشعوبنا ودولنا. 2- تتعين معالجة مشكلة الإسلام السياسي وبالذات في مصر العربية، حيث يصعب تخيل استمرار الأوضاع في مصر على ما هي عليه الآن، فالأوضاع سيئة جداً، بل ومتفجرة في أكثر المسارات، مما يحتم إعادة النظر في المشكل السياسي المصري، ومن ذلك استيعاب حركات الإسلام السياسي ضمن إطار عقلاني مقبول. ومن المنتظر أن تلعب تركيا -بجانب دولة قطر- دوراً "محايداً" وتمارس ضغطاً كبيراً على حركات الإسلام السياسي المصري (الإخوان المسلمين)، بما في ذلك إقناعها بالتخلي عن فكرة "التنظيم العالمي" وتصدير الحراك الثوري الإسلامي إلى دول الخليج العربي. " هنالك أهمية بالغة لوضع تصورات متكاملة لتحالف سعودي/تركي متين، ذي طبيعة إستراتيجية في الأطر السياسية والاقتصادية والتنموية والعلمية والسياحية والعسكرية والأمنية، وتنتج عن ذلك مواقف مشتركة -بل وموحدة- تعيد اللحمة الوطنية المصرية وتواجه "إيران الطائفية" " ومن جهة أخرى، يُنتظر من الطرف السعودي الضغط على الحكومة المصرية الحالية من أجل رفع الظلم الواقع على أفراد حركات الإسلام السياسي المصري، وإيجاد صيغ معقولة للمصالحة مع هذه الحركات على أرضية جيدة من التفاهمات والضمانات. ومثل هذا الأمر ضروري ولكنه غير كاف، فالسعودية وتركيا يجب أن تعيدا اللحمة الوطنية المصرية، وتبعدا المتشددين والمتطرفين من كلا الجانبين عن الإدارة والحكم في مصر، بما يدفع إلى تغليب الشخصيات الوطنية المصرية المستقلة، ضمن إطار تصحيحي للمسار السياسي والحراك الاحتجاجي المصري في المرحلة السابقة، فمصر أكبر من هذا الطرف أو ذاك، وهي بحاجة إلى إدارة سياسية توقف مسلسل التناحر والتباغض، وتجمع شتات المصريين وتؤلف بينهم، وفق إطار دستوري وسياسي ملائم. 3- هنالك أهمية بالغة لوضع تصورات متكاملة لتحالف سعودي/تركي متين، ذي طبيعة إستراتيجية في الأطر السياسية والاقتصادية والتنموية والعلمية والسياحية والعسكرية والأمنية، وتنتج عن ذلك مواقف مشتركة -بل وموحدة- إزاء "إيران الطائفية"، مع بلورة خطة واضحة لإيقاف زحفها وتمددها في العراق وسوريا واليمن، على أن يكون ذلك سريعاً ومدعوماً بتحالفات دولية تضمن له النجاح والفاعلية، وبالذات في اليمن، فالوضع خطير جداً ولا يحتمل أي تأخير أو تردد. ويجب أن يترتب على ذلك تأسيس تحالفات سياسية جديدة وفق أطر تكتلية خليجية عربية تركية. 4- التشديد على أنه لا يمكن الاتفاق بشأن كافة الملفات، فالسياسة لا تمكّن من تحقيق توافق تام، إذ لكل طرف رؤية ومصالح قد تختلف عن رؤية ومصالح الطرف الآخر في قضية أو أكثر، على أنه يتوجب الاتفاق على آلية واضحة لتبادل المعلومات والتفاهمات حيال هذه القضايا وترتيب الأفعال والقرارات ذات العلاقة؛ ضمن أطر السياسة الدولية والأعراف الدبلوماسية واستحقاقات التكتل السياسي بين الطرفين. 5- تكريس الدور الإيجابي للدبلوماسية الشعبية والإعلامية بين الطرفين، باستخدام كافة القوالب والأدوات الممكنة، مع ضرورة الاتفاق على ميثاق شرف في هذا السياق، وإبعاد الشخصيات التي تحمل نظرات أو توجهات سلبية أو عدائية هنا أو هناك، فالقضية الآن ليست طرح آراء شخصية، بقدر ما هي تغليب للمصالح المتوخى تحقيقها في أوقات عصيبة ومكلفة. ويُفترض أن ينتج ذلك أجواء من الإيجابية والتفاعلية والحوار البناء بين مختلف الفعاليات السعودية والتركية، وبقية الفعاليات الخليجية والعربية أيضاً. وأحسب أن الشعبين السعودي والتركي يؤمنان بأنه قد حان وقت "تصفير المشاكل" بين البلدين الكبيرين، وفق منظور إستراتيجي طويل الأجل، يتأسس على تكتل سياسي تنموي صلب، ويفلح في حماية أواصر اللحمة الثقافية والمجتمعية بين بلدين؛ يشكل كل واحد منهما قدراً للآخر، ومكملاً له، ونصيراً سياسياً وتنموياً. وحينها يمكننا القول بأن هناك تاريخاً كتبت أحرفَه الأولى "قمةُ سلمان/أردوغان"، وستكشف الأيام القادمة ما يتحقق واقعاً من هذه الآمال العريضة.