من مسميات بلادنا أنها مملكة الإنسانية وما يقوم به ساستها في ظل الأجواء العاصفة يمكن لها أن تتوشح بلقب إضافي هو بيت الحكمة. فقد امتازت سياستها الخارجية بثبات الخطوة وعدم التسرع حيال أي حدث مهما كان عاصفا، وفي نفس الوقت لا تنجر إلى الانفعالية أو الصراخ من خلال وسائل الإعلام، فهي تسير بسمة الحكماء تكتفي بالإشارة والتلميح دون التصريح، ولا نجذب إلى العداوات والمجاهرة بمن ابتعد أو اقترب، وتحاول أن تكون بنفس المسافة من كل الدول مالم يضر ذلك بمصالحها الوطنية المباشرة، والشواهد على هذه السياسة المتأنية بالكثرة التي تجعل أقرب حدث كأبعد حدث.. هذا الاتزان جعل الآخرين يقصدونها عند تعكر المياه أو اضطراب الموج. وهي بهذه السياسة الحكيمة استطاعت عبور كثير من الأزمات الدولية والإقليمية من غير أن تدخل بلدها أو مصالحها في المزايدات الآنية، أو الاهتزازات العنيفة.. وحين تتحول إلى قبلة سياسية لزعماء العالم ليس لأنها دولة غنية فحسب، فإن أخذ هذا المعيار منفردا عن بقية مزاياها يكون الحكم ناقصا، إذ ثمة حزمة من المميزات تجعل من المملكة دولة فاعلة في محيطيها الإقليمي والدولي وقد تكون أهم ميزة جاذبة للمملكة هي الحكمة ولهذا تحولت في أحداث عديدة إلى مقصد للمختلفين والمتنازعين والمتشاجرين بحثا عن حل، وكثير من الاختلافات والخلافات انتهت بتدخل المملكة كوسيط ضامن. وفي أحيان كثيرة تبادر لإطفاء الحرائق التي تشب في البيت العربي، بإخماد نيرانها أو فتح النوافذ لتنقية الهواء أو باستضافة المحترقين أو بإسداء النصح، فللمملكة وسائل مختلفة لإعادة التوازن في عالمنا العربي بالتحديد. والآن وهي تقف في وسط هذا الاضطراب المهول العابر للمنطقة العربية نجدها توزع اهتمامها على كل قطر ساعية لاستعادة كل بلد لتوازنه، في ظل خريف استهدف سقوط الدول قبل أنظمتها.. والمتابع سيجدها تقف كسند منيع ضد انهيارات الدول وتحاول مد يدها لكل من سقط. هي القلب الذي يضخ دماءه للإبقاء على كل الأطراف حية.. هذا القول ليس مبالغة في ظل ما نشهده من شلل بعض الدول ودخول بعضها لمرحلة التلاشي..