< نجح كونسورتيوم نفطي بقيادة شركة «نوبل إينرجي» الأميركية ومشاركة مجموعة من الشركات الاسرائيلية أهمها «ديليك»، في اكتشاف نحو 10 حقول غاز في المياه الاسرائيلية، منها حقول صغيرة جداً في المياه الجنوبية بمحاذاة المياه الفلسطينية المواجهة لساحل غزة، وأخرى، وهي الأهم، في المياه الشمالية، بين المياه اللبنانية والقبرصية حيث تم اكتشاف حقلين ضخمين وواحد صغير. وبما ان الاكتشافات الشمالية تقع في مياه عميقة جداً، (نحو 20 ألف قدم تحت سطح الماء)، ما يعني تحمل اعباء مالية ضخمة جداً، قرر الكونسورتيوم تطوير الحقلين الضخمين أولاً (تامار وليفايثان). وأدت الاكتشافات الاسرائيلية الى بروز فرص وعراقيل عدة: أولاً: توافر احتياطات ضخمة لدى اسرائيل، كافية للاستهلاك الداخلي لمدة لا تقل عن ربع قرن، ما يحقق لها اكتفاء ذاتياً، ويخفف عبئاً على الموازنة العامة. فعدم الحاجة الى الاستيراد أمر مهم للسياسة الأمنية الإسرائيلية طالما حاولت تحقيقه. ثانياً: واجهت الشركات العاملة تحدياً مهماً، هو السيولة لتطوير الحقلين الضخمين. فالمرحلة الأولى لتطوير حقل «ليفايثان» تكلف أكثر من ستة بلايين دولار، عدا عن تطوير حقل «تامار» الذي بدأ الانتاج فعلاً منذ ربيع عام 2013. وبما ان الشركات الاسرائيلية المعنية صغيرة نسبياً، شكل موضوع السيولة تحدياً كبيراً لها. فإضافة الى تطوير الحقلين، هناك المصاريف الباهظة في أي مشروع غازي تصديري، أو حتى محلي، نظراً الى النفقات لشراء منظومة للتصدير من مضخات وأنابيب، أو في حال التصدير، تشييد معمل لتسييل الغاز الذي ترتفع تكاليفه الى بضعة بلايين، اعتماداً على حجمه والتقنية المستعملة فيه. ثالثاً: تعتمد الشركات البترولية في أرباحها على التصدير. وقررت الحكومة الاسرائيلية في هذا المجال، تحديد استعمال 60 في المئة من احتياط كل حقل للإستهلاك الداخلي، والبقية للتصدير. وعارضت الشركات العاملة علناً وبقوة هذه السياسة التي اعتبرتها ضارة بأرباحها، لكن السلطات الاسرائيلية اعتبرتها ضرورية لأمنها الطاقوي البعيد المدى. رابعاً: اقترحت الولايات المتحدة حلاً وسطاً لمشكلة الشركات، تستطيع من خلاله تحقيق سياساتها الإقليمية والمساعدة في حل عقدة التمويل. فاقترحت تصدير الغاز في المرحلة الأولى الى الدول العربية المجاورة التي تحتاج امدادات غاز، وتم التركيز على الدول التي وقّعت معاهدات سلام مع اسرائيل، مثل مصر والأردن. كما تم استغلال النقص الطاقوي في فلسطين، حيث لا توجد سوى محطة كهرباء واحدة تقع في غزة، وتزودها اسرائيل بالوقود متى تشاء وبالأسعار التي تفرضها، او تقصف خزاناتها عند نشوب المعارك. وتم استغلال فرصة تشييد محطة كهرباء في جنين في الضفة الغربية، وافقت اسرائيل على تزويدها بالغاز، بعد ان أخفقت محاولات السلطة الفلسطينية لتزويدها بغاز عربي. خامساً: حققت اسرائيل اهدافاً رئيسة من الاقتراح الأميركي. فمن ناحية، وقّعت مذكرات تفاهم مع الأردن ومصر لتزويدهما بنحو 235 بليون متر مكعب، أو نحو 20 في المئة من مجمل احتياطها من الغاز، ما أوجد فرصة للشركات في الحصول على السيولة اللازمة لتطوير الحقول. فقد شكلت مذكرات التفاهم ضماناً للمصارف لقاء الديون التي تمول تطوير الحقول. كما ان التصدير الاقليمي قلص النفقات بشدة، فمد خطوط أنابيب للدول المجاورة اقل كلفة بكثير من مدها الى أوروبا. هذا يعني من جهة ان تطوير الحقول الاسرائيلية كان سيتم بمساندة السوق العربية. ومن جهة أخرى، كان تصدير الغاز لثلاث دول عربية يشكل أول اختراق طاقوي بعيد المدى لإسرائيل في صناعة الطاقة العربية، بخاصة لأن الاتفاقات تمتد لعقود. ولوتم تحويل مذكرات التفاهم هذه لعقود، كما كان مخططاً لها، لكان باستطاعة اسرائيل لعب دور مهم في تحديد المعادلة السعرية الإقليمية لاستيراد الغاز عربياً، وتالياً في سعر الكهرباء في الدول العربية المعنية. سادساً: على رغم كل الضغوط، خصوصاً الحاجة لتوفير الغاز والكهرباء للسوق المحلية، حاول كل من مصر والأردن إيجاد بدائل يمكن ان توفر لها امدادات الغاز اللازمة في وقت قريب وبأسعار مناسبة. فتم التفاوض في الوقت ذاته مع جهات أخرى كي لا تصبح الدولتان مرتهنتين للمفاوض الاسرائيلي. وبالفعل، استطاعت مصر الاتفاق مع قبرص لاستيراد الغاز عن طريق أنبوب بحري يمتد من حقل «افرادايت» الى الساحل المصري، اضافة الى استيراد الغاز المسال من «سوناطراك» الجزائرية و «غازبروم» الروسية. واقترح الأردن كبديل عن الغاز الاسرائيلي، استيراد الغاز من حقل «غزة مارين» في المياه الفلسطينية. لكن لم يتم حتى الآن تطوير هذا الحقل، على رغم اكتشافه منذ العام 2000، لأن اسرائيل وضعت شروطاً تعجيزية لتشغيله. فهل ستوافق اسرائيل على تطوير الحقل ومتى سيبدأ الانتاج؟ ولماذا لا يتم تزويد محطة جنين أيضاً عند الانتهاء من تشييدها من غاز هذا الحقل. ثم كيف سيحصل الأردن على إمدادات الغاز اللازمة في الوقت المناسب؟ سابعاً: كان مفروضاً التوقيع النهائي على الاتفاقات التجارية في أواخر عام 2014. لكن لجنة مكافحة الاحتكار الاسرائيلية اتخذت قراراً مهماً في 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اذ قررت ان الكونسورتيوم الذي اكتشف الغاز أصبحت لديه قوة احتكارية على تسعير الغاز ومن ثم الكهرباء في اسرائيل، لذا يتوجب على هذا الكونسورتيوم التخلي عن بعض حقوله لشركات دولية ومحلية أخرى، وقدمت مقترحات عدة لتخليه عنها. لكن لا يزال الأمر تتجاذبه مصالح وآراء مختلفة. وبقيت «نوبل اينرجي» رافضة للتخلي عن أي من حقليها الكبيرين (تامار وليفايثان) معتبرة انها قد استثمرت فيهما خيرة ما عندها من تقنية، كما انها تتوقع أرباحاً ضخمة منهما. يتضح ان الخلاف مستمر، وقد يصل الى محاكم أو لجان تحكيم دولية، ولا نستغرب تدخل واشنطن في إيجاد حل وسط، ما يعني تأخر تطوير الحقلين أو عملهما لفترة طويلة. وبالفعل فقد تم الغاء عقود بين الكونسورتيوم وشركات نفطية خدمية. ما يعني بدوره عدم امكان توقيعه اتفاقات تصديرية أو التخطيط لمشاريع جديدة نظراً الى الخلافات الناشبة بينه وبين السلطات الاسرائيلية. ويتوقع أيضاً توقف الانتاج من حقل «تامار» للسوق الداخلية. وستؤدي هذه الخلافات الى ردع شركات النفط العالمية عن الاستثمار في اسرائيل، خوفاً من نفوذها، وبالذات إصدار قوانين ذات مفعول رجعي. * كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة