تشهد الرياض منذ أسابيع نشاطا مميزا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. إذ استقبل في الرياض قادة مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى بان كي مون والرئيس الفلسطيني محمود عباس والملك عبدالله الثاني. وبانتظار أن يلتقي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأيضا وزير الخارجية الأميركي جون كيري. تأتي هذه الاجتماعات على أبواب شهر مارس المليء بالاستحقاقات البالغة الأهمية. وفي مقدمتها نهاية المهلة التي أعطتها دول 5+1 لإيران للوصول إلى اتفاق حول ملفها النووي، وبعد سنوات من التراخي الدولي والعقوبات في آن. إذ أصبح هذا الملف يتحكم بسياسات الدول الكبرى وتوجهاتها في المنطقة العربية خصوصا والشرق الأوسط عموما. استبقت إيران بالانقلاب الحوثي في اليمن اجتماعات المؤتمر العالمي للأمن والدفاع في ميونيخ. ثم اجتماعات واشنطن لمحاربة التطرف. وكانت تريد أن تقول إنها أصبحت أمرا واقعا في المنطقة. بدءا من اليمن مرورا بالعراق وسورية ولبنان وغزة. يعتقد الكثيرون أن إيران مستمرة في اللعب مع الدول الكبرى على قاعدة الاختلاف الإيراني – الإيراني على من يريد ومن يرفض الاتفاق. من هنا نرى أن سياسات الحرس الإيراني تتجه نحو المزيد من إحداث الفوضى والاضطرابات في الدول التي من المفروض أنها صديقة لإيران، خصوصا العراق واليمن وسورية. فنرى أن الاتجاه العام للحرس يميل نحو التصعيد والعنف. وآخرها المناورات الإيرانية في مياه الخليج التي تزامنت مع تهديدات قائد الحرس الثوري محمد علي الجعفري لدول الخليج قاطبة وبدون استثناء.. وهذا الموقف يعكس مستوى الأزمة الداخلية والخارجية التي يعانيها الحرس الإيراني، لأن الاتجاهات العامة في شهر مارس القادم هي في وضع حاد لملهاة المفاوضات الإيرانية مع 5+1، خصوصا بعد كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة محاربة التطرف التي انعقدت في 17 و18 فبراير في البيت الأبيض، عن أن سياسات المالكي وبشار الأسد الإقصائية والطائفية والعنيفة هي التي أنتجت "داعش".. ثم تصريح جون كيري بأن إيران كانت وراء انهيار مشروع الدولة في اليمن عبر الانقلاب الحوثي، ما يعني اتهاما واضحا للحرس الإيراني بالتسبب في كل الخراب والدمار والتطرف الذي تشهده المنطقة. لا نستطيع أن نتجاهل الانتخابات الإسرائيلية أيضا والتي ستجري في 17 مارس، والتي تأتي في ظل توتر غير مسبوق بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة نتنياهو. إذ بلغ سوء العلاقة أعلى درجاته منذ قيام الكيان الإسرائيلي حتى الآن. وستكون زيارة نتنياهو إلى الكونجرس الأميركي -وخلافا لرغبة الإدارة الأميركية- قمة في التصعيد.. إذ عبرت الإدارة الأميركية بأن العلاقة بين أميركا وإسرائيل أصبحت بين حزبين وليست بين دولتين ووصفتها بالكارثية، خاصة مع الحشود المتزايدة للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية التي تشهد توترا كبيرا غير مسبوق منذ عام 73 حتى الآن. ونستطيع أن نؤكد أن القرار الدولي 338 لعام 73 الذي وضع الصراع على جبهة الجولان في الثلاجة البالغة البرودة قد سقط وأذابت جليده النزاعات الدامية في سورية. بالإضافة إلى تموضع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على الجبهة السورية الإسرائيلية، والعمليات العسكرية المتبادلة تنبئ بأن انفجار الصراع على هذه الجبهة أمر ممكن جدا حتى قبل الانتخابات الإسرائيلية والاتفاق النووي الإيراني المحتمل. إن الاستحقاق الأهم في شهر مارس القادم هو القمة العربية في 28 مارس 2015 في مصر. والتي تصادف الذكرى السبعين لقيام جامعة الدول العربية التي تأسست في 23 مارس 1945، والمسبوقة بالمؤتمر الاقتصادي لدعم مصر في 15 مارس المقبل، مع ما ينتاب العلاقات العربية - العربية من تباين واضطراب ونزاعات تحط رحالها في الرياض عاصمة الاستقرار العربي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي يقوم بجهود حثيثة وغير مسبوقة أيضا للملمة ما تبقى من الصف العربي من الدول العربية المأمول منها إعادة تفعيل العمل العربي المشترك، وذلك بتقريب وجهات النظر بين أطرافها، خصوصا أننا نعيش حالا من التفلت السياسي والإعلامي العربي الذي نستطيع أن نقول إنه بدائي وغير مسؤول. إذ يستهون الكثيرون الصراخ والشتائم والتجريح بكل الذين يقفون إلى جانبهم ويحاولون مساعدتهم على الخروج من أزماتهم المستعصية وواقعهم المرير. هذا بالإضافة إلى التعامل الحكيم لخادم الحرمين الشريفين مع الساحات المفتوحة على كل الاحتمالات في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية التي تكاد تنسى في خضم جملة القضايا والمآسي التي تعيشها منطقتنا ودولنا وشعوبنا. مع استحقاقات شهر مارس الكبرى نستطيع أن نقول الآن -وبكل ثقة- إنه لا بد من الرياض مهما طال السفر.