حين سألني المذيع عبدالله المديفر في رمضان الفائت عن ما إذا كنت أكره هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قلت إن هذا اتهام باطل من البعض لأنني لا يمكن أن أكره أي جهاز حكومي لديه مهمات محددة ولوائح تضبط عمله وتصرفات أفراده. قد لا أوافق، شخصيا، على وجود جهاز الهيئة من الأصل لكن طالما هي موجودة ولديها وظائف تنفذها بحكم القانون فأهلا وسهلا بها شريطة أن لا تتجاوز صلاحياتها أو تستخدم التفويض المعطى لها لإلحاق ضرر بالناس أو سمعتهم من أي نوع كان هذا الضرر. هذا كل ما في الأمر. أي ليس هناك حب أو كره بقدر ما هنالك مطالبات، مني ومن غيري، بأن تكون الهيئة على قدر مسؤولياتها ومصدر اطمئنان للناس لا مصدر خوف ورعب. وهي في سنواتها الأخيرة كانت مصدر اطمئنان وأظنها ستبقى كذلك مع رئيسها الجديد. ولذلك لا أتفق مع معظم الشائعات التي تدور حول بعض تصرفاتها أو إجراءاتها لأن هناك مواقف مسبقة منها. علينا أن نتحرى الدقة في كل ما يتعلق بأمور حياتنا ومن بين هذه الأمور ما له علاقة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حين يأتي من يقول، مثلا، إن الهيئة اقتحمت الثلاثاء الماضي معهدا نسائيا بالخرج بعد مطاردتها لفتاة هربت منها إلى داخل المعهد، فإن علينا أولا أن نتأكد من صحة هذا الخبر. وإذا صح فإن واجبنا، ومعنا منسوبو الهيئة أنفسهم، أن نعتبر هذا التصرف في دخول رجال، حتى لو كانوا من الهيئة، على نساء خطأ لا بد أن يحاسب من ارتكبه عليه. فضلا عن أن المطاردة ذاتها، فيما أعلم، ممنوعة في قواعد عمل الهيئة المكتوبة والتي تنص على عدم أخذ الناس بالشبهات وملاحقتهم إلى أبواب بيوتهم وأماكن عملهم، لأن ذلك يدخل في باب (التجسس) المنهي عنه ويتناقض مع نص وروح الحديث الشريف: «لو سترته بثوبك كان خيرا لك». لنفترض الآن أن فتاة معهد الخرج النسائي، التي نزلت من سيارة اشتبه بها رجال الهيئة، هي زوجة أو أخت أو ابنة صاحب السيارة، فكيف سيكون التصرف أو الاعتذار منها ومن أهلها ومن النساء اللائي وجدن فجأة أمامهن رجالا في مكان لا يحق للذكور دخوله بحكم القانون والعرف الاجتماعي.؟! هذه المطبات التي يقع فيها بعض رجال الهيئة والتي تثير ردود فعل الناس على تصرفاتهم هي التي نطالب بدفنها وإلى الأبد لأنه ليس من المعقول ولا المقبول أن يترقب الناس، في غدوهم ورواحهم، ماذا سيفعل رجال الهيئة بهم.!! هذا أمر ينفر الناس من بعضهم في وقت نحن أحوج ما نكون للمحبة فيما بيننا ولبناء الثقة وأسباب التلاقي وتحقيق السلامة الاجتماعية العامة. ولذلك، مرة أخرى، فإن تأطير عمل الهيئة وتقنينه بوضوح ليستهدف طمأنينة الناس قبل كل شيء مطلوب وبإلحاح شديد. والتجربة هي التي ستدل، في قابل الأيام، ما إذا كنا بصدد هيئة تقرب الناس وتخدمهم وتكسب ودهم أو تطاردهم وتنفرهم وتكسب كرههم.