لو أُجرِي بحث على قدماء الموظفين خاصة الحكوميين منهم وسُئلوا سؤالاً مباشرًا: هل ما تمارسونه من عمل إداري وقيادي هو من وحي خبرة اكتسبتموها، أم هو تقليد درجتم على مزاولته، ويصعب عليكم التحرّر منه، كما لو أنه مخالفة صريحة لأنظمة الدولة؟ لنأخذ على سبيل المثال: طريقة كتابات الخطابات اليومية. ويُفترض بي ككاتب رأي أن أبدع في إنشاء وتحرير المخاطبات الرسمية، أن أتفنّن في صياغتها، إلا أنني لم أمر بتجربة كئيبة، ورتيبة، ومملّة، تتأخر بها قضاء حوائج بني آدم مثل المخاطبات الرسمية بين المرؤوسين ورؤسائهم، وتضيع بها الحقوق أحيانا بضياع الأوراق. ولجهلي بعلوم الشريعة، فإني أعرض المسألة برمّتها على المختصين من أهل الفتوى، لبيان الحكم فيها، وسأستوضح أكثر بالمثال البسيط الآتي من قصة واقعية تتكرر كل يوم: أحتاج كموظّف مثلاً لطابعة، يترتّب على وجودها من عدمه تسهيل طباعة الخطابات نفسها المعضلة أو تعطّلها، وتمرير معاملات تتعلّق بمصالح الناس كبُرت أو صغُرت، فالحاجة تظلّ حاجة. ولو صغت الخطاب الذي هو ملخّص مضمونه: (احتياج الجهة لطابعة)، فسيراجعه الرئيس المباشر، ويعدّل عليه، وعلى صياغته، ويراقب نوع الخطّ، والمسافة الفاصلة، ليتدرّب الموظف الصغير أشهرا على «خط» رئيسه المفضّل، ويتبدلّ الرئيس، ويتدرّب مرة أخرى على «خط» الرئيس الآخر، الذي يتباهى بمنظر الخطاب ورصانته، وهيبته، أمام ضعفِ مراجعٍ ليس له هيبة! ويبدأ الخطاب بتبجيل سعادة الوكيل، رئيس القطاع للشؤون الفلانية، ويشيد بجهوده لدعم القطاع الذي لا ينكرها إلاَّ جاحد حقود، ويمهّد بذكر إنجازات الجهة، ثم يدخل بطريقة غير مباشرة في الموضوع بأن الرفع لسعادته بالطلب لم يكن إلاّ من باب الحاجة الماسّة، ويشرح مبررات استحقاق الطلب، والاحتياج الفعلي، ويختم بعبارات الثناء، والشّكر على لطف التعامل، وكريم الاستجابة سلفًا، مع دعوات لصاحب السعادة بطول العمر والتوفيق. وتفضلوا سعادتكم بقبول فائق التحية والتقدير والاحترام.. والأصل أنّ خلاصة الخطاب: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سيّدي: نحتاج طابعة للمكتب، وشكرًا) انتهى. وهل يجرؤ موظف مرؤوس على ممارسة مثل هذا الأسلوب المختصر، وهذه المخالفة العظيمة؟! عني أنا.. لا أجرؤ، لكنّي أعِدُ إن كنتُ قياديًّا مستقبلاً سأحاكي التغريد ما أمكن. ** لِمَ لا نستفيد من الجهات الجادّة في عملها، مثل الجهات الأمنية؟ فخطاباتها مختصرة، مُحكمة، وتأتي على الموضوع، وتوضّح المطلوب باختصار غير مُخِلٍّ. **المؤسف والمخجل أن أكبر الضّرر يأتي غالبًا من أكاديميين تربويين، يُفترض أنهم تعمّقوا في الاحتياجات الاجتماعية! رابط الخبر بصحيفة الوئام: هل علم الإدارة قرآن منزّل؟!