غالبا ما تُطرح فكرة السفر عبر الزمن في الأفلام السينمائية، لكن للأسف، لم ينسجم العلم مطلقا مع مثل ذلك النوع من الخيال. يعد فيلم القدر الذي ظهر في دور السينما البريطانية في 13 فبراير/شباط الجاري، هو الأحدث في سلسلة أفلام السفر إلى الماضي ذات التاريخ الطويل. فقد ظهر منها أكثر من 100 فيلم منذ أن ظهر ذلك النوع من الأفلام مثل تيرمينيتور، والعودة إلى المستقبل، قبل نحو 30 عاما، والتي تقوم كلها على الخيال العلمي الذي لا يتوافق مع الحقائق العلمية إلا قليلا. وكغيره من هذه الأفلام، يتضمن فيلم القدر لمسته الخاصة، حيث يستخدم المخرج إيثان هاوك عامل الزمن للعودة إلى الماضي لمعرفة الجرائم قبل أن ترتكب ومحاولة منعها. وكبقية هذا النوع من الأفلام، يعد التسلسل الزمني في هذا الفيلم غير منطقي: ففي جزء من الثانية يظهر في الفيلم شخص ما يتلاعب بالزمن الذي يحدد مصيرك- أو قدرك كما يمكننا القول- ليتخلى عن العلم ويدخل في حالة من الجنون الزمني. وبسرعة تصبح الأشياء محيرة للعقل. فيمكنك مثلا أن تفكر في هذه النقطة: إذا اخترع أحدهم آلة للزمن، فما الذي يمنعه من العودة إلى الوراء لمدة دقيقة واحدة فقط ليحطم هذه الآلة قبل أن يستخدمها لأول مرة؟ وهو ما يعني أنها لن تستخدم أبداً. وكيف إذن تحطمت هذه الآلة؟ الذي يمنع كل هذه المفارقات التي يظهرها السفر إلى الماضي، مثل أن تقتل هتلر قبل أن يبدأ الحرب العالمية الثانية مثلا، هو أنها تغفل قوانين الفيزياء بشكل كبير، والكون كما نعلم يسير وفق قواعد علمية محددة. أحد القوانين الرئيسية التي تظهر ليس فقط الفيزياء ولكن كل مظهر من مظاهر الوجود هو قانون السبب والأثر. تغيير الماضي ينتهك هذه القاعدة، فأفعالك تؤثر على ما دعاك إلى العودة للماضي في الأساس، لذلك إن تمكنت فعلا من قتل هتلر فلن يكون باستطاعته أن يرتكب ما دعاك للعودة إلى الماضي وقتله. هذا لن يوقف منتجي الأفلام عن مواصلة الشغف بقصة السفر عبر التاريخ. بالنسبة لهوليوود، التصفيق والمؤثرات الخاصة أهم من قانون السبب والأثر. والسفر عبر الوقت يوفر فرصاً لا حصر لها لتعزيز الخيال الى أقصى مدى. وهكذا تضمنت آلات الوقت في الأفلام نقطة للشرطة مثلا، (مثلما حدث في مسلسل دكتور هو)، وتليفون عمومي، وسيارة سبورت من نوع دي لورين، كما ظهرت في فيلم (العودة إلى المستقبل). فكرة الثقوب الدودية على عكس بقية أفلام الخيال العلمي، مثل أجهزة الروبوت الأكثر ذكاء من الإنسان، أو السفر للفضاء لمواجهة مخلوقات فضائية غريبة، ستبقى أفلام العودة إلى الماضي مرفوضة علمياً إلى الأبد. يعتقد ستيفن هوكينغ، وهو واحد من بين العديد من العلماء الذين يحظون باحترام كبير، أن الكون الذي نعيش فيه مليء بما يعرف بـ الثقوب الدودية، والتي تمثل بفاعلية طرقا مختصرة للزمن والفضاء. كان رواد الفضاء في فيلم انترستيلر يسافرون عبر الزمن من خلال الثقوب الدودية وبينما يتطابق ذلك بشكل كامل مع نظرية أنشتاين النسبية ومع بقية الأفكار الرئيسية عن حقيقة الكون، تفتح مثل هذه الثقوب المجال واسعاً أمام احتمال السفر في حدود الزمن، بمعنى الدخول من طرف أحد هذه الثقوب ثم الخروج قبل ذلك بأيام وشهور وربما قرون، كما أنها تربط بشكل فوري بين أطراف الكون المتباعدة، مما يعني إمكانية السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء. لا غرابة إذن في أن فكرة الثقوب الدودية قد استعارتها بعض مسلسلات وأفلام الخيال العلمي (مثل ستار تريك، وستارغيت، و أفينجرز، وانترستيلر). لكن لا بد من التحذير قبل أن يحاول أحد الانطلاق بسفينة فضاء نحو أقرب ثقب دودي. فقد تكون الثقوب حقيقية، وشائعة، ويمكنها جسر الهوة بين الزمان والمكان، لكن وجود هذه الثقوب شيء، واستعمالها شيء آخر. فحتى هوكينغ الذي قال إنه مهووس بمسألة السفر عبر الزمن وإنه يريد الاقتناع بأن السفر عبر الزمن مسألة ممكنة، أشار إلى أن تلك الثقوب يعتقد أنها توجد في صورة تعرف علميا باسم الرغوة الكمية وهي أصغر حتى من حجم الذرات نفسها، وهذا معناه أن المسافات بينها لا تتسع لمرور سفينة فضاء، ولا حتى للمثل آرنولد شوازنيغر، أو مايكل جي فوكس. هناك من يجادل بأنه في وجود تقنية كافية، وفيزيائيين أكفاء يمكننا في النهاية تطوير وسيلة للتغلب على هذه الثقوب متناهية الصغر، ومن ثم تكبير حجمها مليارات المرات ليمكننا الذهاب متى وأينما نشاء. هذا الأمر خيالي إلى حد مبالغ فيه حتى الآن، لكن مجرد افتراض أن هذه الثقوب التي يمكن السفر عبرها يمكن بناؤها فعلاً في يوم من الأيام، هو في حد ذاته مفارقة محظورة أخرى. احذر تأثير الفراشة في قصة قصيرة، كتبها راي برادبري في بداية الخمسينيات بعنوان صوت الرعد ورد أن المسافرين عبر الزمن في فترة ما قبل تاريخ الأرض بقوا في ممر معلق للتقليل من فرصة وقوع أي اتصال بالماضي. وفجأة سقط أحدهم فسحق إحدى الفراشات تحت قدميه بدون قصد. وعندما عادوا إلى زمنهم، وجدوا كل شيء قد تغير، بداية من طريقة نطق الكلام، إلى نتائج الانتخابات، فقد ساهموا في خلق واقع مختلف تماما. كانت قصة برادبري أول تجسيد لنظرية تأثير الفراشة التي كثيرا ما أثارت جدلا كبيرا: إذ تكمن الفكرة ببساطة في أن إحداث تأثير صغير جدا يمكن أن يتسبب في تغييرات هائلة وغير متوقعة في وقت لاحق من الزمن. وهذه عقبة حقيقية في طريق العودة للسفر عبر الزمن. وإذا تمكن أحد من التغلب على التحدي الهائل الكامن في طريقة القيام بذلك، فسوف يظل يواجه التحدي الموازي الأكبر المتمثل في كيفية منع وقوع أي مخاطرة بالتأثير على الماضي. فربما لو غيرت شيئاً واحداً، فقد تغير أشياء كثيرة لاحقاً، وينتهي بك الأمر الى إعادة صياغة الواقع بشكل كامل. هناك البعض ممن يحاولون تعديل عقولهم لتتغلب على هذه القيود: إذ توجد كافة أنواع النظريات التي تشير إلى وجود تكوينات لثقوب دودية متعددة، ومنحنيات مغلقة، وغيرها من البدائل المعقدة. لكن من المحزن بالنسبة لهؤلاء الذين يرغبون في أن تكون أفلامهم مبنية على الواقعية قد يتمثل في احتمال وجود سبب بسيط واحد يجعل جميع هذه المشاكل والمفارقات عصية على الحل. هذا السبب هو أنها بالفعل عصية على الحل. فكثيراً ما نحب فكرة تغيير الماضي ومسح أخطائنا- كأن تشعر بندم شديد على شراء معطف عام 2007 على سبيل المثال- لكن يبدو أنه لا شيء، بما في ذلك فكرة الثقوب نفسها، يمكن أن يعيدنا إلى الماضي. أصغر سنا مع ذلك، ليس السفر باتجاه المستقبل مستحيلا بالضرورة. في الحقيقة، يوجد من فعل ذلك. أعظم من قاموا بذلك هو سيرجي كريكاليف، رجل الفضاء الروسي والمسافر عبر الزمن الذي قضى وقتاً طويلاً في الفضاء، واعتبر أنه سافر إلى مستقبله الشخصي بمعدل جزء من 200 جزء من الثانية. صحيح أن ذلك لا يعتبر وقتا كبيرا، لكنه يكفي لأن يجعل رأسك يدور من الحيرة. تتعلق المسألة كلها بتمدد الزمن، وهو ما تنبأت به نظرية النسبية لأنشتاين ، ولكنه شيء نستطيع قياسه، حيث أنه كلما كانت سرعة الإنسان أكبر، تكون ساعته أبطأ مقارنة بالساعات الموجودة على سطح الأرض. لكن الأمر أشد تعقيداً من ذلك، لأن الجاذبية تتدخل هنا، لكن رائد الفضاء كريكاليف تقدم في العمر بوقت ضئيل أقل مما كان سيتقدمه إذا لم يسافر إلى الفضاء. (لقد قضى أكثر من عامين في مدار الأرض في سفينة الفضاء مير، وفي محطة الفضاء الدولية، متحركا بسرعة دوران بلغت 17 ألف ميل في الساعة). كلما زادت السرعة، تصبح الآثار أكثر وضوحاً: فلو أن كريكاليف قضى السنتين اللتين مكثهما في الفضاء مسافراً بسرعة تقل عن سرعة الضوء قليلا (وأسرع 40 ألف مرة من السرعة التي كان يدور بها حول الأرض) لعاد إلى الأرض ليجد أنه مر على الكرة الأرضية قرنان من الزمن أو أكثر. من الطبيعي أن يكون من غير المجدي الوصول إلى هذه السرعة، وأن تكون الرحلات بلا عودة، فنحن نعرف على الأقل أن ذلك ممكن، على عكس الغوص في تفاصيل التاريخ. لذا، فبينما تعد الأفلام عن السفر عبر الزمن للماضي خيالاً محضاً، تنطوي الأفلام التي يسافر فيها الناس إلى المستقبل على جزء يسير من العلم في بحر الخيال المتلاطم الأمواج، ومما يجعلك تشعر بالأسى أن عدد هذا النوع من الأفلام قليل جداً. إن أفلاما مثل العودة إلى المستقبل، وآلة الزمن، وكوكب القردة، هي من بين عدد قليل من الأفلام التي تضمنت شيئاً من الحديث عن السفر إلى المستقبل. الفيلم الوحيد الذي أذكر أنه حاول تصوير وإظهار حقائق السفر عبر الزمن هو فيلم بين النجوم (انترستيلر) الذي ظهر العام الماضي. فهو يرسم امتداد الوقت وتجربة (ريب فان وينكل) لرواد الفضاء العائدين ليجدوا أنفسهم قد سبقوا الناس الذين كانوا قد تركوهم بعشرات السنين. لعلها بداية التحرك نحو أفلام تتحرى الدقة في تقديم الحقائق، لكن هناك شك في ذلك أيضا. هل من المبالغ فيه أن تكون لدينا رغبة في رؤية أفلام غير مفرطة في الجدية وتحتوي على متعة التنقل عبر التاريخ؟ أفلام مثل (مغامرات بيل وتيد الممتازة)، مع نهايتها التي تحتوي على مفارقة مفاجئة. الآن يوجد فيلم يمكنني مشاهدته مرات عدة. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.