طهران - لندن: «الشرق الأوسط» - باريس: ميشال أبو نجم - بروكسل: عبد الله مصطفى أعرب وزير الخارجية الإيراني وكبير مفاوضيها النوويين محمد جواد ظريف عن أمله في التوصل، خلال المحادثات التي ستجري في جنيف اليوم، إلى خارطة طريق تحدد مسارا لتسوية المواجهة القائمة بين طهران والقوى العالمية. ولكنه حذّر من أن العملية ستكون معقدة. ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات المتعلقة ببرنامج إيران النووي في جنيف وستكون الأولى منذ انتخاب حسن روحاني رئيسا، وهو شخصية معتدلة نسبيا تسعى لإذابة جليد العلاقات مع الغرب ورفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده. وعقد ممثلو الدول الست الكبرى (أعضاء مجلس الأمن وألمانيا) لقاء تحضيريا في جنيف أمس، برئاسة مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون لتنسيق مواقفهم قبل الاجتماع الأول المرتقب اليوم بينهم وبين الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية الإيراني. وبينما استمرت طهران في حملتها الدبلوماسية - الإعلامية، بالتركيز على رغبتها في التوصل إلى اتفاق سريع بشأن ملفها النووي آملة بتخفيف أو رفع العقوبات الاقتصادية الدولية، الأميركية والأوروبية، يسعى الدول الست، وفق مصادر دبلوماسية غربية رفيعة المستوى، إلى «الحفاظ على وحدة المواقف داخل المجموعة» و«استباق الردود الممكنة على ما تتقدم به إيران من مقترحات». وقال ظريف في رسالة نشرها على صفحته على موقع «فيس بوك» في ساعة متأخرة، مساء أول من أمس، إن اجتماع جنيف يعتبر «بداية طريق صعب وطويل نسبيا. وآمل أن نتمكن بحلول الأربعاء من التوصل لاتفاق على خارطة طريق لإيجاد سبيل يقود إلى تسوية». وأضاف: «لكن حتى مع توافر حسن النية من الطرف الآخر، فإن الوصول إلى اتفاق حول التفاصيل وبدء التنفيذ سيتطلب على الأرجح اجتماعا آخر على المستوى الوزاري». وكان انتخاب روحاني لرئاسة إيران في يونيو (حزيران) الماضي خلفا للرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد قد أحيا الآمال في التوصل إلى حل عبر التفاوض، للنزاع حول البرنامج النووي الذي كاد يؤدي إلى نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط. وقال دبلوماسي غربي: «سنرى إن كانت هناك طريقة لتحويل هذا النهج الجديد إلى لفتات. لكن حتى الآن وبعيدا عن النهج الجديد هناك غياب تام لأي شيء يدفعنا للأمام فيما يتعلق بالأساسيات». وأضاف الدبلوماسي الذي طلب من وكالة «رويترز» عدم ذكر اسمه: «نتوقع أن تكون الأمور أكثر انفتاحا، لكنها ستكون في الوقت نفسه أكثر تعقيدا، لأننا سنضطر إلى دراسة ما يقدمونه». وأضاف الدبلوماسي أنه إذا لم يقدم الإيرانيون أي اقتراح جدي جديد «بعد كل هذا الحديث فسيواجهون مشكلة خطيرة». ورفض عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني، أول من أمس (الأحد)، مطالب الغرب بأن تشحن إيران مواد نووية حساسة إلى الخارج، لكنه أشار إلى أنها ستبدي مرونة فيما يتعلق بجوانب أخرى من أنشطتها النووية من بينها درجة التخصيب، التي تثير قلق القوى العالمية. وكانت القوى العالمية قد طالبت، في محادثات متفرقة منذ مطلع عام 2012، أن تتخذ إيران خطوات أولية لبناء الثقة من بينها تعليق تخصيب اليورانيوم لدرجة 20 في المائة، والتخلي عن بعض من مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب، وإغلاق محطة فوردو تحت الأرض، حيث تجري معظم عمليات تخصيب اليورانيوم إلى درجات أعلى. ومن جهة أخرى، لفتت مصادر دبلوماسية غربية إلى أن إيران التي دأبت باستمرار على محاولة اللعب على حبل «التمايزات» في المواقف بين الدول الست، سعيا إلى إحداث شروخ فيما بينها، ستجد بوجهها «كتلة متماسكة» هدفها الأول «منع إيران» من استغلال برنامجها للحصول على السلاح النووي من جهة، والحرص على التزام مواقف «لا تتسم بالضعف، لأن ذلك يعني التوصل إلى اتفاق غير مرضٍ، ولا بالتشدد المفرط، لأنه سيعني إفشال المفاوضات». وفي هذه الحالة، شرحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن البديل سيكون «الضربة العسكرية»، التي سبق لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن وصفها سابقا بـ«الكارثية». وتتوقع الدول الست، وفق المصادر الغربية، أن تعمد إيران في هذه الجولة التاسعة من المفاوضات، إلى تقديم مقترحات «غامضة» تمزج فيها «المرحلي»، أي خطوات بناء الثقة مثل تجميد التخصيب بنسبة 20 في المائة أو خفض عدد الطاردات المركزية المنصوبة في موقعي نطنز وفوردو، أو حتى قبول التصديق على البروتوكول الإضافي مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي يوفر لها قدرة أكبر على التحرك وتفتيش المواقع «المشبوهة»، والوضع «الأخير» للبرنامج النووي الإيراني. وبحسب الدول الست، يجب أن تكون مقترحات حول هذا الوضع «متلائمة» مع ما تنص عليه قرارات مجلس الأمن الدولي، وأن تتوفر لهم القناعة واليقين أنه «فقط» لأغراض سلمية. وتجادل المصادر الغربية فيما تدعيه إيران «حقا مطلقا» لها بتخصيب اليورانيوم، وتؤكد أن شيئا كهذا لا تتضمنه معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وجل ما تنص عليه المعاهدة المذكورة هو «حق» الدول الموقعة عليها بالاستخدام السلمي للطاقة النووية. والدليل على ذلك أن كثيرا من البلدان (عددها 15 عبر العالم) تستفيد من الطاقة النووية السلمية، ولكن ليست لديها برامج لتخصيب اليورانيوم. ويريد الدول الست، من الناحية المبدئية، أن يعطوا «فرصة» للمفاوضات ليتبين لهم ما إذا كانت إيران، في عهد الرئيس حسن روحاني «جادة» في البحث عن حل. ولذا، فإنهم يتطلعون للتعرف على ما سيعرضه ظريف اليوم وما سيفصله عراقجي في الجلسات التالية. وإذ تؤكد المصادر الغربية انفتاحها على الطرف الإيراني وعلى ترحيبها بـ«المناخ الجديد» الذي ستدور في أجوائه مفاوضات جنيف، وعلى قناعتها بأن إيران «تختنق» اقتصاديا، وأنها بحاجة لرفع أو تخفيف العقوبات سريعا جدا، فإنها في الوقت عينه، تشدد على تمسكها بـ«أساسيات» موقفها لجهة تدابير الثقة المطلوبة من إيران اليوم، ولما تريد أن يكون عليه البرنامج النووي الإيراني في حالته النهائية. وقبل ساعات من انطلاق المحادثات في جنيف حول برنامج إيران النووي، حثّ الاتحاد الأوروبي طهران على معالجة مخاوف المجتمع الدولي بشأن طبيعة برنامجها النووي، وإثبات الطبيعة السلمية الخالصة له. وقال بيان صدر عن قسم السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إنه لا يزال أمام إيران الفرصة من خلال الدخول في مفاوضات ذات مغزى، واتخاذ إجراءات لازمة لطمأنة المجتمع الدولي، بما في ذلك تنفيذ التزامات دولية معمول بها، لإثبات أن برنامجها النووي سلمي تماما. وحدد الاتحاد الأوروبي الإطار الذي يأمله للجولة الجديدة من المفاوضات التي ستجري في جنيف بين إيران والسداسي الدولي اليوم وغدا. وأوضح الاتحاد أن على هذه الجولة التي ترعاها باسم السداسي الدولي الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون معالجة قلق المجتمع الدولي بشأن الطبيعة السلمية الخالصة للبرنامج النووي الإيراني. وطالب إيران باتخاذ التدابير الضرورية لطمأنة المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، بما في ذلك من خلال تطبيق تعهداتها الدولية والدخول في مفاوضات ذات مغزى. وذكر البيان أن الاتحاد الأوروبي الذي أشار في مناسبات عدة إلى مساعٍ بناء شراكة بنّاءة مع إيران تحقق الاستفادة للجانبين، فإنه منذ عام 2005 هيمنت المخاوف الجدية من برنامج طهران النووي على أجواء العلاقات بين الجانبين، وتزايدت المخاوف العميقة بشأن القضايا العالقة، وخاصة في ظل استمرار رفض إيران الامتثال للقرارات الدولية والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة، مما أدى إلى قرارات دولية بفرض عقوبات ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.