×
محافظة المدينة المنورة

20 قاربًا في انطلاقة المسيرة البحرية وعروض مائية تبهر المتابعين

صورة الخبر

الحج له خصوصية تميزه عن بقية العبادات الأخرى في الإسلام، فالحج شعيرة تقترن بزمان ومكان محددين، بخلاف العمرة التي لها مكان محدد ولكن ليس لها زمان محدد، ولو عدنا للوراء لعدة قرون تحديدا، فسنجد أن أعداد الحجيج كانت بضعة آلاف لم تتجاوز المائة ألف، ومن البديهي أن صعوبة التنقل ومشقة السفر كانت السبب الرئيسي في محدودية هذا العدد، لكن التطور الكبير في وسائل النقل أدى إلى زيادة أعداد الحجيج ليصل إلى مليوني حاج سنويا وربما أكثر. من المؤكد أن ازدياد عدد الحجيج هو أمر إيجابي وباعث على السرور، غير أنه من ناحية أخرى خلق مشكلة مكانية ارتبطت بها مشكلات أخرى عديدة، فهذه الزيادة تطلبت من الدولة توسعات مكانية عملاقة، كما أن وجودهم في هذا الحيز الزماني والمكاني مجتمعين تطلب توفير عدد كبير من الخدمات اللوجيستية الآنية عبر منافذ المملكة إلى المشاعر وبين المشاعر نفسها وكل ذلك خلال مدة زمنية محددة لا تتجاوز بضع ساعات، وذلك كله بخلاف خدمات التغذية والإرشاد والإسكان والأمن وغيرها من خدمات عديدة يتطلبها تواجد هذا الجمع الغفير في مكان واحد طيلة أيام الحج. لقد استشعرت المملكة دوما الحاجة إلى المزيد من مشروعات التوسعة لتتمكن من خدمة الحجيج على نحو أفضل، وقد قامت بالفعل بجهود حثيثة في توسعة الحرمين وتوفير وسائل النقل كالقاطرات وزيادة المساكن اللازمة لتسكين تلك الأعداد، وفي موسم الحج 1434 ارتأت الدولة ضرورة تقليص أعداد الحجيج بسبب وجود عدة مشروعات توسعية، كما أنها شددت على ضرورة الحصول على التصريح الذي يمنح كل خمس سنوات للتمكن من أداء فريضة الحج، وأكدت على تصميمها على تطبيق العقوبات المنصوص عليها على كل من يخالف القوانين بهذا الصدد، وبطبيعة الحال فإن هذا التوجه فتح الباب على مصراعيه لفريق «خالف تعرف» وفريق «جبهة الرفض» الذين نذروا أنفسهم للمعارضة والانتقاد، فوجدنا فريقا منهم ينتقد فكرة تقليص أعداد الحج ويفسرها بأنها منع، كما وجدنا فريقا آخر منهم يطلق على التحذير من مخالفة القواعد والشروط التي حددتها المملكة هذا العام لأداء الحج بأنه نوع من «ترهيب» المسلمين وإفزاعهم، وطالب بضرورة إفساح المجال للمسلمين للحج في كل بقاع المعمورة دون قيد أو شرط. في واقع الأمر لا أجد وصفا ملائما لهذه الفئة إلا أنها نوع من المزايدة الممجوجة، فلا أحد يريد منع الحجيج من الحج ولا أحد يرغب في عرقلة أداء شعائره، ولكن هناك رؤية واسعة ومتعددة الجوانب للأمر لا يدركها ذوو التفكير المحدود، فالقضية هنا قضية رؤية ومنظور، بين من يمتلك رؤية واسعة ومتشابكة ومتعددة الأبعاد للقضية، وبين من لا يمتلكها، كما أن التحذير بإبعاد كل من قام باستغلال هذا الموسم لتسويق شعارات سياسية معينة لا يعني منع الحجيج من ممارسة حقوقهم السياسية، لكنه إجراء احترازي لتنقية الشعائر المقدسة من الأهواء الدنيوية والزج به في معتركات يشوبها الكثير من الضلال والتضليل، وقد يتطور ذلك لأن يتحول الحج لأحداث شغب تعيق بقية الحجيج عن أداء مناسكهم. من الأهمية بمكان أن نعي أن من مبادئ حسن الإدارة أن مصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد، كما أن دفع الضرر أهم من جلب المنفعة، إن فسح المجال لكل من أراد الحج سيؤدي إلى اكتظاظ المشاعر بأعداد ضخمة وربما تتسبب في فوضى عارمة قد تؤدي إلى إفساد موسم الحج ذاته، ولذلك فإني لا أملك إلا أن أنظر لكل منتقد لعملية تنظيم موسم الحج إلا أنه شخص أناني يتمتع بنظرة ضيقة وأفق محدود، بخلاف مزايدته المقيتة وادعائه المفضوح، وهنا نجد أنفسنا أمام تساؤل مشروع عن جدوى تلك الانتقادات وسببها والهدف منها، فإن كان سببها هو الجهل وعدم فهم الأمور على حقيقتها فليت محدودي الأفق يتوقفون عن الفتوى بغير علم، وإن كان سببها الرغبة في الصيد في الماء العكر والانتقاد لمجرد الانتقاد فالحل هو إغلاق الباب أمام مزايدات كل المدعين من ذوي النية الفاسدة، وإفساح المجال للدور الإعلامي والتوعوي والتثقيفي ليقوم بدروه المطلوب في هذا الشأن.