يستعد المغرب لاعتماد قانون جديد للمؤسسات المالية والمصرفية، بهدف مواكبة التحولات الدولية في مجال المعاملات المالية والنقدية والمصرفية، وتحويل المركز المالي الدولي في الدار البيضاء، «كازابلانكا فاينانس سيتي»، إلى سوق للرساميل الإقليمية والدولية، وجلب الاستثمارات إلى منطقة المغرب العربي والقارة الأفريقية. وأظهرت مسوّدة القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان، أن قانوناً جديداً اعتُمد لتعزيز أداء المنظومة المصرفية المغربية ومناعتها، لمواكبة تطوّر القطب المالي في الدار البيضاء كسوق إقليمية على الصعيد العالمي، في إطار تعزيز الإصلاحات الرامية إلى دعم القطاع المالي وتقويته وتعزيز صموده أمام الأخطار والتداعيات المالية الدولية، والانفتاح المتزايد على الأسواق العالمية من جانب المصارف المغربية. وستطبّق المؤسسات المالية والمصارف المغربية، وعددها 86، إجراءات المبادئ الأساس الاحترازية للرقابة الصادرة عن لجنة «بازل 3» للممارسات المصرفية الفاعلة، والالتزام بالشفافية والحوكمة الداخلية والوقاية من الأخطار والأزمات المالية، بما فيها اعتماد «صندوق لضمان حقوق المتعاملين» في الأزمات والعجز أو الإفلاس. وسيُفتح المجال، للمرة الأولى في تاريخ المصارف المغربية، أمام الخدمات المالية غير الربوية المسماة «البنوك التشاركية»، التي بإمكانها تلقّي ودائع من الجمهور، وتقديم تمويلات تشمل خمسة مجالات، وهي المرابحة والمشاركة والمضاربة والإجارة والاستصناع، بهدف الانفتاح على الفاعلين الاقتصاديين غير المتعاملين بنظام الفوائد، خصوصاً من الدول العربية والإسلامية وبعض المغتربين. وسيتولى «المجلس العلمي الأعلى» ممارسة الرقابة الشرعية على مطابقة الخدمات المصرفية للشريعة الإسلامية. ويمنع القانون المصارف التشاركية من تحصيل أو دفع فائدة على المعاملات المالية والتجارية، ولكن يمكنها تلقّي الودائع الاستثمارية من الجمهور، وفق شروط يحدّدها المصرف المركزي لاحقاً، على أن يرتبط عائدها بنتائج وحصيلة الاستثمارات المتفق عليها مع الزبائن. وأشار محللون إلى أن المغرب اعتمد هذا النوع من الخدمات المصرفية، استجابةً لمؤسسات مالية ومستثمرين من دول الخليج العربي، يرغبون في توسيع استثماراتهم في المنطقة من دون المرور بالمصارف التقليدية، التي يملك فيها المغرب تجربة عريقة، ويملك فروعاً في نحو 50 دولة، منها الصين، دول الاتحاد الأوروبي، القارة الأميركية، المغرب العربي، الخليج، ونصف القارة الأفريقية. وأفادت مصادر في وزارة الاقتصاد والمال لـ «الحياة»، بأن «حصيلة النشاط المصرفي المغربي يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل للمصارف مكانة كبيرة في الاقتصاد وفي الاستثمار والاستهلاك، في حين تقدّر قروضها المستحقة على الزبائن والشركات بنحو 800 بليون درهم (نحو 80 بليون دولار)، منها 240 بليوناً قروض عقارية. وتوقّعت ارتفاع التدفقات المالية والاستثمارية خلال المرحلة المقبلة في المغرب وأفريقيا، ما يحتّم على المصارف تنويع خدماتها وتحديث منظومتها القانونية والرقابية، وتطوير أدائها لتحسين تمويل الاقتصاد والاستثمار، ومواكبة نشاط المركز المالي بتبنّي أفضل الممارسات الدولية. ويحتضن مركز الدار البيضاء المالي «صندوق أفريقيا 50»، الذي سيتولى تمويل مشاريع البنية التحتية في القارة السمراء بما قيمته 100 بليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة. واعتبر مشرفون على إعداد القانون المصرفي الجديد، أن أحد أهدافه تطوير الحصول على حساب مصرفي وبطاقة أداء شخصية لكل مواطن، بغض النظر عن دخله أو وضعه المالي، والاستفادة من التطور التكنولوجي للوصول إلى الفئات المعزولة في القرى والجبال، وتعميم خدمات تحويل الأموال وأنظمة الأداء الإلكتروني وتقليص كلفتها، وتسهيل الولوج إلى القروض الصغرى والمتوسطة التي ستصبح خاضعة بدورها لرقابة المصرف المركزي، الذي يحضّ المصارف على التحوّل تدريجاً من تمويل الاستهلاك إلى تمويل الاستثمار.