في أحيان كثيرة تجد نفسك قد وقعت من حيث لا تشعر في تقليد حركات شخص آخر، أو ترديد بعض الكلمات التي تستقر دائماً على لسانه، أو تأخذ منه طريقة ضحِكه أو أي شكل من أشكال التعبير التي يسلكها سواء بلسانه أو بتعابير وجهه أو باسترسال جوارحه، وحينها تكون أنت وقعت تحت دائرة التأثير غير المحسوس، وهو بالنسبة لك الشخصية المؤثرة، وأنت بالنسبة له الشخصية المتأثرة، وكلنا في هذه الحياة نمارس أدوار التأثر والتأثير بنسب متفاوتة ترجع لطبيعة شخصياتنا وتربيتنا وأسلوب تفكيرنا، فكلنا نؤثر ونتأثر بطبيعتنا البشرية، ولكن كيف أُجير هذه المعادلة لصالحي، وأدرك متى أقف في موقف التأثير، ومتى أصف نفسي في مواقف التأثر. عندما نتأثر بشخصية ما فهو تعبير ضمني على أننا معجبون بها، والإعجاب يختلف عن المحبة والقبول، فنحن قد نعجب بشخصية لا نحبها، ونقع تحت تأثيرها، وقد نحب شخصية لكننا لا نصل بهذا الحب لدرجة الإعجاب المؤثر، فالذين يؤثرون فينا هم بالضرورة قد أبهرونا أو أقنعونا، والإبهار مفعوله أقوى لكنه قصير المدى، ووهجه لا يستمر كثيراً، والإقناع قد يبدأ على استحياء، ولكن مفاعيله المؤثرة تستمر طويلاً، ما دام الإقناع حاضراً، ولذلك الأذكياء في التأثير يبدأون مبهرين ويستمرون مقنعين، فالإبهار عندهم هو أفضل البوابات لطريق الإقناع المؤثر. كثير من الذين يتحدثون عن الشخصية المؤثرة يوردون صفات كثيرة لهذه الشخصية، من الأخلاق الجاذبة إلى الشكل الجميل مروراً بالطرح الهادئ وغيرها الكثير، ولكن من وجهة نظري ان كلمة السر خلف الشخصية المؤثرة هي الثقة، وعندما توجد لحظة الثقة فهنا وقت تأثير مرجح، وثقتنا تختلف مناسيبها بحسب المكان والزمان والموضوع والحضور.. الخ، وفي اللحظات التي تفيض فيها مناسيب الثقة تتوجه سهام التأثير نحو الشخصيات القابلة للتأثر في الخارج. الشخصية المؤثرة ببساطة شديدة هي شخصية تملك خياراتها، وتحاول البحث عن هذه الخيارات إن كانت مفقودة، والشخصية المتأثرة هي شخصية قبلت بخيارات الآخرين عليها، وليس هذا خطأً أو صوابا دائماً، فالتفاعل الإيجابي يقول لنا: (علينا أن نبحث عن الخيارات الأفضل لنا)، وهذه الخيارات المفضلة قد تكون هي خياراتنا التي فرضناها بقناعتنا، وقد تكون خيارات غيرنا فرضوها علينا، وأعلم أن كلمة فرض هي كلمة ليست محببة، لكنها في هذا السياق تكون إيجابية إذا كانت ضمن الانتقاء الواعي لنا، فإذا نحن قبلناها بوعي فهي فرض إيجابي، وإذا كانت فرضت هذه الخيارات دون انتقاء واع منّا فهذا تأثر غير محمود، ويقع في الفرض السلبي. إذا كنا قلنا سابقاً إن المؤثر يعيش لحظة ثقة، فإن المتأثر يعيش في لحظة استسلام، وهذا لا يكون سلبياً إلا إذا صار دون وعيٍ منّا، والمُلْهَم من تتألق ثقته في اللحظات التأثيرية التي يبسط فيها كفوف العطاء، ويتألق استسلامه في لحظات الكسب والجمع، ومن يتأمل في شخصيات كبار الصحابة مع النبي «صلى الله عليه وسلم» ومع باقي الصحابة، سيدرك هذا المد والجزر بين الثقة والاستسلام. الشخصية الناجحة هي الشخصية القادرة على قيادة نفسها، وتعرف خارطة طريق خياراتها جيداً، وهذا الوضوح في الخارطة يجعلها تعرف متى تؤثر، ومتى تتأثر.