صنعاء - لندن: «الشرق الأوسط» عادت سعدة التي زوجها والدها عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، إلى بيت أهلها مصطحبة معها فقرها المدقع وطفلين إضافة إلى أحلامها بالعودة إلى المدرسة. وقالت سعدة في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا أريد زوجا بعد الآن أبدا. كل ما أريده هو الحصول على الطلاق والدراسة». وتحيط بعيني سعدة هالتان من السواد، بينما تجلس على أرض الغرفة البائسة التي تعيش فيها مع طفليها. وتعد ظاهرة «الطفلات المزوجات» أو «عرائس الموت» كما يسمين في بعض الحالات، أمرا رائجا في اليمن الذي يعاني من انتشار الفقر والجهل ومن التركيبة القبلية. وغالبا ما تجبر الفتيات على الزواج فور البلوغ، ويكون ذلك في بعض الحالات مع رجال يكبرونهن سنا بفارق كبير. ووالد سعدة الذي عجز عن إعالة عائلته زوجها قبل خمس سنوات لتخليصها من فقر العائلة، ولتخليص العائلة من أعباء فرد إضافي. إلا أن زوجها سرعان ما بدأ يجبرها على التسول في شوارع صنعاء مع طفليها، إلى أن هربت منه وعادت إلى أسرتها. وقالت سعدة وهي ترتدي العباءة السوداء التي تغطي كامل جسمها عدا أصابعها التي عليها آثار الحناء: «كان يضربني ويشتمني أنا وعائلتي». ويحيط بسعدة ولداها البالغان من العمر ثلاث سنوات وأربع سنوات، وهما يحدقان بها باستمرار بينما تتكلم بصوت خافت. وقالت سعدة التي لا يتطابق معنى اسمها مع وضع حياتها: «حياتي صعبة مع أسرتي، إذ إننا نعتمد على مساعدات صغيرة من الجيران لنعيش. إلا أن هذه الحياة تبقى أفضل من حياتي مع زوجي». وإلى جانب سعدة، تجلس شقيقتها آمنة البالغة من العمر 16 سنة، والتي هي بدورها زوجها والدها لشخص دفع عنه دينا يبلغ 20 ألف ريال، أي 93 دولارا. وقالت آمنة التي تمكنت في النهاية من العودة إلى المدرسة: «أنا أيضا ضحية للزواج المبكر». وكانت آمنة تعرضت للتعنيف من قبل زوجها، إلا أنها هربت منه بعد خمسة أشهر فقط من الزواج. وقالت آمنة: «لقد وضع زوجي في يوم من الأيام خنجرا على بطني وجرني إلى خارج منزل والدي ثم ضربني في الشارع أمام الجميع قبل أن يأخذني مجددا إلى منزله». وأطلق ناشطون يمنيون عدة حملات للمطالبة بتحديد سن دنيا قانونية للزواج. وكانت وزيرة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية حورية مشهور أكدت أنها تسعى لإعادة إحياء مشروع قانون موضوع في الأدراج منذ 2009 يحدد السن الدنيا لزواج الفتيات بـ17 سنة، مع تعديله لتصبح السن 18 سنة. وأكد ناشطون أن نوابا من حزب الإصلاح الإسلامي عرقلوا تبني هذا القانون. وقبل توحيد اليمن في 1990 كان القانون ينص على منع زواج الفتيات دون الـ15 سنة في الشمال، ودون الـ16 سنة في الجنوب، إلا أنه بعد الوحدة لم يعد هناك نص بهذا الخصوص. وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الشهر الماضي إن 14 في المائة من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل سن الـ15، و52 في المائة قبل سن الـ18، وذلك استنادا إلى أرقام يمنية رسمية وأخرى من الأمم المتحدة. وفي بعض الأوساط الريفية، يتم تزويج فتيات في الثامنة من العمر لرجال يكبرنهن بأشواط في بعض الحالات. وغالبا ما تعاني القاصرات المزوجات من العنف من قبل الزوج الذي «يضرب ويستغل زوجته ويحرمها من الأكل»، وذلك بحسب أحمد القرشي الذي يدير جمعية «سياج» اليمنية المتخصصة في حماية الطفولة. وقالت الناشطة اليمنية أروى عثمان: «إنه اغتصاب تحت ذريعة الشريعة». وكانت تقارير أشارت الشهر الماضي إلى وفاة فتاة تدعى روان في الثامنة من عمرها نتيجة لتعرضها لنزيف حاد بعد تزويجها من رجل في الأربعين من عمره، وذلك في إحدى المناطق النائية في شمال اليمن. ونفت السلطات بعد ذلك هذه الأنباء وقدمت إلى الصحافة طفلة قالت إنها روان وإنها لم تتزوج قط. ولكن في أبريل (نيسان) 2010 توفيت إلهام العشي بعمر 13 سنة بسبب اغتصابها من قبل زوجها بعد خمسة أيام من تزويجها! كما توفيت فتاة في الثانية عشرة في سبتمبر (أيلول) من السنة نفسها أثناء إنجابها طفلا توفي بدوره. وغالبا ما تخشى الفتيات من مواجهة قرار العائلة أو الحديث عما تتعرضن له من تجاوزات في مجتمع يعتبر أن تحدي إرادة الأهل في موضوع الزواج يجلب العار. إلا أن محكمة يمنية منحت في 2008 الطفلة نجود محمد علي التي كانت في الثامنة من عمرها الطلاق من زوجها الذي يكبرها بعشرين سنة والذي أجبرها والدها على الزواج منه، وذلك في قضية هزت المجتمع اليمني. وعلى الرغم من تعاطف بعض الجيران، فإن سعدة وآمنة تواجهان ملامة محيطهما. وقالت سعدة إن «بعض الناس ينظرون إلينا باحتقار لأننا هجرنا منزل زوجينا». ويبدو أن شقيقتهما الثالثة نعمة البالغة من العمر 14 سنة قد تعلمت الدرس. وقالت مبتسمة: «لن أتزوج قبل أن أنهي دراستي».