مسلسل الأخطاء الطبية يبدو أشبه بقطار بلا مكابح في ظل استمرار هيئة التخصصات الطبية في توظيف واستقطاب كوادر غير كفؤة أو مؤهلة بما يمنع تكرر أخطائها المكلفة للحياة بدلا من إنقاذها، ولعل آخر حلقات ذلك المسلسل انتهت بزميلنا الصحفي الخلوق محمد الثبيتي في العناية المركزة رغم أنه دخل لإجراء جراحة بسيطة، ولكن حالته تعقدت بصورة مأساوية بعد أن فصل أحد أفراد الفريق الطبي المعالج جهاز الأكسجين عن طريق الخطأ، وفشلت كل المحاولات لإعادته لوضعه الطبيعي، ولا نملك غير أن نسأل الله أن يعافيه ويشفيه. مع كل حالة خطأ طبي فإن القطار يتجه الى محطة واحدة وهي هيئة التخصصات الطبية باعتبارها المعنية بإجازة الكادر الذي يشرف على المرضى، وذلك أمر يفترض أن يتم بأقصى معايير وشروط الاتقان المهني، دون ذلك نحصل على حالات مثل حالة زميلنا الثبيتي لا يهوّنها أي إجراءات روتينية تعترف بالخطأ الذي من الصعب معالجته لأنه أشبه بإحياء نفس لم تكن تعلم أن الحال ينتهي بها الى مأزق صحي نتيجة لعدم الكفاءة أو الإهمال. لدينا في الواقع مشكلة في توظيف وتعيين الكادر الطبي، وهناك دول تضع شروطا قاسية ليس من قبيل الترف الطبي أو الوظيفي وإنما لعنايتها الفائقة بالمرضى الذين يصبحون تحت رحمة الله ثم هؤلاء الذين ينبغي أن يرتقي أداؤهم المهني والعلمي الى أعلى المستويات الأدائية والتركيزية لأنهم يعملون على هامش هو أقرب للمسافة بين الموت والحياة، وأي خطأ أو تشتيت انتباه قد ينتهي الى الموت أو الحياة بصعوبة وانتاج آلام مضاعفة جسدية ونفسية تستمر مدى الحياة. وفي تقديري لا يمكن تبرير الخطأ الطبي فقط بأنه قضاء وقدر، لأننا نعلم أن كل الأمر بيد الله، ولكن أن يصبح الأمر سلبيا بالضرورة في هذا السياق، فهذا إنما يأتي في الأساس من العامل البشري، فالله لا يريد بنا شرا أو ضررا حتى وهو يبتلينا بالأمراض حيث نعلم أنها ابتلاء وأجر، ولكن ماذا عن أشخاص يتحولون بمهنتهم الى مصدر للضرر والأذى؟ ذلك أمر يجب الحد منه بتطبيق شروط ومعايير قاسية وعقوبات أقسى خاصة إذا كان في الأمر شبهة إهمال أو تجاهل. سوء حالة الثبيتي نثبتها من التوجيه الكريم لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية الذي وجّه بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب دخوله في غيبوبة، عقب خضوعه لعملية جراحية بسيطة لاستئصال كيس دهني من الفخذ، ومتابعة سموه واهتمامه أمر يستحق الشكر، وقد اعتدنا ذلك من سموه، ولو أن الأمر ليس بمثل ما عليه من الخطورة لتركه للجهات المعنية، ولكن الخطأ يتطلب معالجة حاسمة وحازمة، وكلنا ثقة في أن اللجنة ستقوم بكامل دورها في كشف الأسباب ومتابعة الحالة الى أن يكتب الله الشفاء العاجل لزميلنا المحبوب الذي تُرفع أكف كل الصحفيين ومحبيه له بالدعاء والسلامة، ويبقى بعد ذلك أن تعيد هيئة التخصصات الطبية النظر في شروطها للتوظيف والتعيين حتى لا يتواصل هذا المسلسل القاتل. باحث اجتماعي