×
محافظة المنطقة الشرقية

هجر يستعد للفيصلي بعد نقطة الشباب الثمينة

صورة الخبر

«وجدت نفسي مثقلاً بالديون بعد انتهاء اليوم الثالث من العزاء»، يقول احمد الصبيحي الذي توفي والده وتركه وأمه وثلاث شقيقات. ويضيف الصبيحي الذي يعمل موظفاً في احدى الدوائر الحكومية منذ عشر سنوات من دون ان يتمكن براتبه المتواضع من الزواج بزميلته، انه استغرق وقتاً وهو يحصي المبالغ التي استدانها من اقاربه، لاستئجار بيت العزاء وتجهيزاته الفارهة، وإقامة ولائم للمعزين الذين يأتونه من اماكن بعيدة، على مدى ثلاثة ايام بما يليق بسمعة والده الذي كان وجيهاً في عشيرته. ويضيف: «نفقات بيت العزاء أتت ايضاً على كل مدخراتي التي كنت أجمعها كل شهر بشق النفس، فقد تجاوزت 13 الف دولار». بيد ان الحياة عادت مجدداً الى عروق الصبيحي التي جفت، بعد ان طرق بابه شبان يلبسون شارات تتزين بكلمة «ارحمونا»، وقدموا له اكثر من نصف تكاليف بيت العزاء، وهو يغطي ديونه التي تراكمت في ثلاثة أيام. ويقول الصبيحي ان تجربته التي خاضها لأول مرة مع تكاليف بعض العادات والمناسبات جعلته يشعر بمدى الهدر الذي يمارسه الناس في مناسباتهم على رغم الوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشونه، مشيراً الى انه وعدد من اصدقائه الذين كانوا مطلعين على معاناته من المناسبة الحزينة تلقفوا حملة «ارحمونا» وصاروا من اكثر الشباب فيها حماسة. وتعد الأعباء المادية التي تثقل كاهل المواطنين في ظل الغلاء، أهم الأسس والركائز التي قامت عليها تلك الحملة، التي يطالب المنضوون فيها كل مؤسسات المجتمع المحلي للحد من النفقات عند إقامة “العزاء»، حتى لا تتحول «المصيبة» إلى اثنتين، بفقدان المتوفى وتحمل الأعباء المالية المرافقة للمظاهر الاجتماعية. ووفق أحد مؤسسيها زياد عبد الهادي المدادحة، فإن «ارحمونا» تبحث عن «تغيير الأنماط الخاطئة من إسراف وتبذير في مناسبات الأتراح والتخفيف على أهل المصاب». وقال ان المبادرة ولدت من رحم معاناة بعض أصحاب حالات الوفاة والعزاء، اذ تتراوح تكلفة نفقات بيوت العزاء بين 4000 دولار و 13000 دولار خلال ثلاثة أيام هي ايام العزاء كما هو متعارف عليه في الأردن. ويتابع المدادحة السعي من خلال هذه المبادرة إلى التقليل من التعب والتكلفة على أهل الفقيد، لافتاً إلى أن هناك تكاليف كثيرة غير محسوبة ربما، ولكن ضرورية كتسديد ديونه وتنفيذ وصيته الشرعية إن وجدت، عدا عن اجراءات الدفن وغيرها. لذا يجب الا يذهب الجهد كله في الطبخ والإسراف والمظاهر التي لا تلحق سوى الأذى المادي وتراكم الدين على الأبناء. ويشير المدادحة الى ان تمويل الحملة يأتي من تبرعات يتم جمعها من اهل الخير الذين يرون نقودهم تتحول الى ابتسامة على شفاه المصابين بفقدان اعزاء لهم. ويؤكد اختصاصي علم الاجتماع الأستاذ المشارك في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين أن مثل هذه السلوكيات النبيلة تقوي النسيج الاجتماعي، وتقلل من الفروق الاقتصادية والاجتماعية بين الناس، وتعمل على إزالة التوتر والحقد والحسد بين الغني والفقير، وهذه بجوهرها قيم ايجابية. وينوّه محادين بأن مثل هذه المبادرة تحتاج إلى تنميتها ودعمها، لتكون نموذجاً «للتكافل الاجتماعي الذي يشكل عماد مجتمعاتنا». والمطلوب، وفق محادين، ضمان استمرارية مثل تلك المبادرات وتعدد عناوينها، مشيراً إلى حق الناس بالحد الأدنى من العيش الكريم من دون استعطاء أو منّة وهذا الدور يقع أيضاً على عاتق الدولة. ويثني محادين على مثل هذه المبادرات فهي، برأيه، خطوة ريادية من قبل الشباب، وتمثل حبهم للعمل التطوعي وسعيهم الى خدمة مجتمعهم، وتعديل الانطباعات غير المدروسة التي أطلقت من قبل البعض بأنهم يقدمون أقل مما هو مرتجى منهم، وأن اهتماماتهم محدودة ببعض الممارسات الشخصية السلبية