اكتسبتالحركة الصهيونية، التي تعود إلى القرن الـ19،زخماًكبيرا في حملة الانتخابات الإسرائيلية الحالية التي تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات أكثر مما كان متوقعاً. فالمعارضة الليبرالية نسبياً أطلقت على نفسها اسم "الاتحاد الصهيوني" سعياً لاستقطاب أصوات من اليمين "القومي" ممثلاً في كتلة الليكود التي يتزعمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مما أثار نقاشاً حول مفهوم المصطلح الذي يرى البعض أنه انحل ولم يعد قائماً بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948. ومنذ تبنيه اسم الاتحاد الصهيوني، وحظوظ حزب العمل بقيادة إسحق هيرتزوغ قد ارتفعت باستطلاعات الرأي خاصة بعد إعلان مجموعة أصغر تتقدمها زعيمة المعارضة السابقة تسيبي ليفني دعمها له. فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن هذا الاتحاد وكتلة الليكود متعادلان تقريباً. وقد أضفى الجدل الدائر حولالأحزاب والمجموعات السياسية بإسرائيل التي تمثلمفاهيم الصهيونية أفضل من غيرها، مظهراً فلسفياً غريباً على حملة انتخابية كانت تهيمن عليها في السابق قضايا واقعية مثل فضائح نتنياهو وزوجته سارة المتعلقة بإنفاقهما أموالاً طائلة على حساب موازنة الدولة. ويبدو أن المسرح السياسي في إسرائيل بات مهيئاً لانتخابات يوم 16 مارس/آذار اكتسبت حملتها ذروة إثارتها بشكل مفاجئ. فالسياسيون في تيار اليسار يتحدثون عن "صهيونية حقيقية" في نشدانهم إقرار السلام والمساواة في البلاد، بما في ذلك تحقيق سلام مع الفلسطينيين والتنازل عن أراضٍ لهم إذا دعت الضرورة، وفق تعبير وكالة أسوشيتد برس في تقريرها الإخباري من القدس اليوم الاثنين. وعلى الجانب الآخر، سخر نتنياهو من خصومه واصفاً إياهم بأنهم "الاتحاد المناوئ للصهيونية". ويميل أنصار الليكود إلى طرح فكرة موازية للاتحاد الصهيوني تقوم على الترويج لإسرائيل قوية قادرة على مواجهة جريئة مع أعدائها. وهذا داني دانون، أحد كبار البرلمانيين عن حزب الليكود، يجادل بأن المعارضة "تُضعف إسرائيل بتعاطفها المبالغ فيه مع الفلسطينيين" زاعماً أن بعض اليساريين أثنوا على رفض شبان الالتحاق بخدمة الجيش أو ساندوا الرؤية العربية التي تصف إنشاء إسرائيل بالنكبة". رأي معارض وبالمقابل، يعارض هيليك بار، الأمين العام لحزب العمل، ذلك الرأي قائلاً "نحن الذين نتصدى لأهم المواضيع في المجتمع نطمح للتوصل إلى سلام والتحدث إلى أعدائنا. هذه هي الصهيونية". وقد ظلت الفكرة الحديثة التي تقوم على مبدأ العودة إلى أرض صهيون -وهي القدس أو الأرض المقدسة- ماثلة منذ القرن الـ19 عندما بدأ اليهود الأوروبيون يفكرون في إقامة دولة يهودية في "أرض التوراة". وقام الصحفي النمساوي ثيودور هيرتزل بإشاعة الفكرة والترويج لها في بيان أصدره عام 1896، وأسس من ثم تنظيماً عُرف فيما بعد بالحركة الصهيونية الدولية. ثم تحقق حلمه بقيام دولة إسرائيل عام 1948، والتي أصبحت ملجأ اليهود من جميع أرجاء العالم عقب "محرقة الهولوكوست، التي تعرض لها اليهود على يد النازيين الألمان إبان الحرب العالمية الثانية. غير أن توم سيغيف، المؤرخ الإسرائيلي ومؤلف العديد من الكتب حول بدايات إسرائيل، يقول إنه "طبقاً لأحد المفاهيم النظرية فإن الصهيونية حققت أهدافها بتأسيس دولة إسرائيل، وإلى هنا انتهى الأمر. لكن ليس هذا هو الحال. فالصهيونية باتت مرادفة للوطنية" منتقداً في ذات الوقت هذه المقاربة لتجاهلها القضية الرئيسة المتمثلة في حل الصراع مع الفلسطينيين. وتمضي أسوشيتد برس في تقريرها إلى القول إن أعداد الفلسطينيين بالأراضي (الفلسطينية) بلغت نحو 2.5% مليون نسمة يعيش معظمهم في "جزر ذاتية الحكم تحت إدارة السلطة الفلسطينية". ويسود شعور لدى العديد من الإسرائيليين بأن هذا الوضع "لن يدوم طويلاً" نظراً للصعاب التي تضعها إسرائيل على طريق الفلسطينيين وبسبب التداعيات الديموغرافية حيث إن أعداد العرب الإسرائيليين والفلسطينيين في سبيلها لتجاوز أعداد اليهود. ثمة منطق في تسمية "الاتحاد الصهيوني" ألا وهو أن وضع إسرائيل كدولة يهودية معرض للخطر بتحملها أعباء ملايين العرب في ظل الاحتلال، وهو ما يجعلها دولة بشعبين حيث لن يتأتى لليهود التفوق عددياً على العرب. يقول هيليك بار إن وضعاً كهذا قد يعني نهاية إسرائيل كدولة يهودية أو أن يتمخض عن ضرب من "دولة فصل عنصري" لا يسمح للعرب فيها بالتصويت، مضيفاً أن اليمين الإسرائيلي "سيقودنا إلى وضع مريع. إنها نهاية الصهيونية".