إن أبناءنا وبناتنا وشبابنا عموما، سواء في وطننا العزيز، أو في غيره من بلاد الإسلام أمانة بالدرجة الأولى في أعناق العلماء والمشايخ والدعاة، الذين هم أعلم الناس بالتربية التي ربى بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه إن أبناءنا وبناتنا وشبابنا عموما، سواء في وطننا العزيز، أو في غيره من بلاد الإسلام أمانة بالدرجة الأولى في أعناق العلماء والمشايخ والدعاة، الذين هم أعلم الناس بالتربية التي ربى بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه التمس بعضهم لما سموه (داعش) عذراً، بل أعذاراً، من واقع الأمة المرير الذي تفرقت فيه الكلمة، وتداعت فيه الأكلة على قصعتها، وصارت الأمة كثيرة العدد، لكنها غثاء كغثاء السيل، ولو كان عذرا واحدا لسهل الأمر، ولكنها أعذار يعجز المقال عن حصرها، وكما قيل: ولو كان سهما واحدا لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث وفي المقابل كثر اللائمون، واستأسد المنتقمون، وبرزت لجيوش عربية أنياب لم تستطع أن تخمش وجه عدوها المعلوم ردحا من الزمن، بل كانت بارجاتها، وقنابلها، وطائراتها الحربية عليه بردا وسلاما! وفي ظل التناقضات هنا وهناك، وضياع الحقيقة لكثرة التزييف، ودقة التزوير، وروعة الإخراج ومكره، واحتقان الأنفس تأييدا أو نكيرا، فإن الذي ينبغي أن نلتفت إليه، وأن نسلط الضوء عليه، ليس هو فعل داعش، ولا هو مدى تأثيره على الواقع سلبا، أكثر منه إيجابا. إننا معنيون بالفعل المضاد لا بالقول المضاد، فإن الواضح لكل ذي عينين أن اتكاء داعش في إجرامها على نصوص شرعية، وأقوال علماء لا يشق لهم غبار. فأين الخلل؟ أهو في فهم داعش للنصوص، أو هو في أن هذه النصوص فعلا تجعل من داعش تلميذا نجيبا ينفذ ما حفظه، ويعمل بما فهمه من نصوص الوحيين، ومن أقوال علماء الأمة الموثوق بهم، والمستند على أقوالهم عند أهل السنة والجماعة؟ إن مجرد استنكارنا، وترداد أقوالنا رفضا لما تقوم به داعش وأخواتها، لا يكفي في رد أفواج من الصبية تقتنع بها، وتلتحق بجماعتها، كما لم تعد الفتوى مجزية في ردع داعش ومؤيديها، فإنهم يعلمون أن الفتوى سيعقبها ذهاب المفتين إلى فرشهم يلتحفون أغطيتهم ويغطون في نوم عميق، ورؤى سعيدة، ينتصر فيها الإسلام، وتندحر فيها جيوش الشر من داعش والغرب الذي أنشأها، واستغلها، ووجهها! إن أبناءنا الصغار تجتالهم الشبه والخطب الرنانة، والأكشن الهيليودي إلى مواقع الفتن، ومحاضن القتل والتعذيب والاعتقال والخطف. بينما نحن نشجب ونستنكر، ونصرخ قائلين إن هذا ليس من الدين! ولعل صراخنا واستنكارنا تعود مغبتهما سلبا، ويفهم منهما دفاعنا عن عدو خيالي صنعته داعش، تتهم كل من يحارب أفكارها بنصرته، ومظاهرته ضد الإسلام وأهله، والمدافعين عنه، والمجاهدين في سبيله، فيظهرون العلماء والمفتين والدعاة عملاء لذلك العدو، وعملاء له! ونحن نرى على الواقع المشاهد أن سهام الكلام تذهب عكس سهام الموت، وسكاكين الإبادة، ونار الحرق والتعذيب! وإن هذا الأمر ليؤرق كل غيور على سماحة الإسلام ورحمته وسعته. إن هذا الواقع المرير الذي نعيشه، قد مر بمن قبلنا مثله، وربما اختلفت بعض التفاصيل والأدوات، لكن النتيجة واحدة (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان). لكن الاختلاف كان في أفعال الناصحين، ومواجهتهم للحدث، فإن ابن عباس رضي الله عنهما ذهب إلى القوم الذين اختلطت عليهم الأدلة، وتشابهت عليهم النصوص، لم يحمل سيفا ولا رمحا، غير إخلاصه وسماحته، وآيات وأحاديث، وقوة حجة، وبراعة إقناع، فرجع منهم إلى الصواب آلاف، وبقي منهم من بقي في تيهه، يتهم ابن عباس رضي الله عنهما بالكفر والنفاق! ونحن نعلم أنه من المستحيل، أو شبه المستحيل إخلاء الساحة من هؤلاء بجملتهم، لكننا على يقين أنه باستطاعتنا تخفيف شرهم، ومحاصرة أفكارهم، برجوعنا إلى سماحة الإسلام قولا وفعلا، السماحة التي نتهم من نادى بها بالزندقة تارة، وبالبدعة أخرى، أو بالعمالة والتمييع، فإن تنازلنا اتهمناه بالجهل والضلال! من سماحة الدين وسعته قبول الآخر بغير إقصاء ولا تحيز، وفتح أعيننا على الواقع الفسيح، والدين الأفيح السمح الذي كان عليه أسلافنا الصالحين. أما ونحن نحجر الواسع، ونضيق المتسع، ونعمل بالرأي حين يوافق أهواءنا، ونرده حين نريد، ونفصل أقوال فقهائنا وأئمتنا تفصيلا يناسب بمقاساته أشخاصا ومسميات نراهم مرجعيات لنا ومن سواهم فباطل وضلال، وإن كان مورده نفس المورد، بل وإن كان هو رأي الأكثرية من أهل العلم ممن لا يشق لهم غبار، من المتقدمين الكبار، فإننا في الواقع نعطي داعش وأخواتها العذر كل العذر في التمسك بآرائهم وتطبيقها. إننا نخطب ونكتب ونقول ليلا ونهارا لتتسع الصدور للخلاف، ولتتوسع المدارك للنقاش، كي تستوعب هذا الدين، مصداقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق. لكن واقعنا العملي يخالف أقوالنا، فنضيق صدرا بكل خلاف، ونطعن في نية كل مصلح! ونحن إذا ولجنا المسلك الوعر في كثير من آرائنا وفتاوينا فإننا بلا شك نخدم من نحاربهم ونتهمهم بالتطرف والغلو، والناس عند تلقي أي منهج متشدد سينقسمون إلى فريقين، فريق يضاده، ويسلك مسلك التفريط في كل شيء نكاية بمن يسميهم متشددين، ويحاول أن يتعمد مخالفتهم حتى فيما يقولونه من حق، وفريق آخر سيتخذ من تلك المناهج المتشددة والفتاوى المدعية حصر الحق والصواب فيها، وربط الضلال والجهل والعناد بمخالفيها، سيتخذها مسلكا ومتكأ يتكئ عليه في خروجه عن منهج السماحة ووسطية الإسلام. إن أبناءنا وبناتنا وشبابنا عموما، سواء في وطننا العزيز، أو في غيره من بلاد الإسلام أمانة بالدرجة الأولى في أعناق العلماء والمشايخ والدعاة، الذين هم أعلم الناس بالتربية التي ربى بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه، ولطالما رووا لنا وقائع متعددة تصل فيها الغيرة على الدين وعلى عرضه عليه الصلاة والسلام حد الأخذ بمقابض السيوف (دعني فلأضرب عنقه). فيأتي الإرشاد والنصح والتسديد من الرحمة المهداة، لا، لعله يصلي! وربما اختلف الصحابة بين يديه عليه الصلاة والسلام في فهم نص فأقرهم جميعا على نتيجة الفهم الذي فهمه كل منهم، وإن تناقض في الصورة. إذن، لا بد من مسار التصحيح الذي يظهر الإسلام بصورته الصافية رحمة للعالمين، وحينها لا يبقى عذر لمعتذر، ولا يختلط الحق بالباطل، ولا يقع الشباب في التهور والحيرة. وينبغي لمن آتاه الله علماً أو جاهاً أن يكثف من جهوده، ويضاعف في دعوته أضعافا، وينوع في أساليبه بما يتلاءم مع العصر، ولا يتناقض مع الأصل.