كييف - لندن: «الشرق الأوسط» بعد الانتكاسة العسكرية التي ألحقها الانفصاليون الموالون لروسيا بطردهم القوات الأوكرانية من مدينة ديبالتسيفي، طلبت السلطات الأوكرانية إرسال قوة حفظ سلام بتفويض من الأمم المتحدة في الشرق، وهو ما رفضه المتمردون. وفي المقابل، دعا قادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا (رباعي النورماندي) أمس إلى العمل على تطبيق اتفاقات مينسك رغم انتهاكات وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا الانفصالي، خصوصا في مدينة ديبالتسيفي بعد انسحاب قوات كييف منها. وجاءت هذه التطورات تزامنا مع إعلان موسكو بدء تزويدها مناطق الشرق الأوكراني بالغاز. وفي محادثة هاتفية، ندد الرؤساء الفرنسي فرنسوا هولاند والروسي فلاديمير بوتين والأوكراني بترو بوروشينكو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بانتهاكات وقف إطلاق النار الذي بدأ حيز التنفيذ ليل السبت - الأحد وفقا لاتفاقات مينسك 2. واتفق القادة الأربعة، وفق بيان للكرملين، على ضرورة تنفيذ سلسلة الإجراءات التي اتفق عليها في 12 فبراير (شباط) الحالي في مينسك بحذافيرها، والتي تتضمن وقفا كاملا لإطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة، وإطلاق سراح المعتقلين. وأكد الكرملين دعم المسؤولين الأربعة لعمل بعثة المراقبة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وجاء الاتصال بين القادة الأربعة غداة سيطرة المتمردين الموالين لروسيا على ديبالتسيفي الاستراتيجية في شرق أوكرانيا بعد عشرة أيام من المعارك الطاحنة. يذكر أن ديبالتسيفي تشكل نقطة مواصلات استراتيجية في السكك الحديدية. وباتت المنطقة الخاضعة لسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا تتواصل دون انقطاع بين معاقلهم في لوغانسك ودونيتسك، بعد أيام من دخول هدنة جديدة حيز التطبيق في شرق أوكرانيا. وأكد الانفصاليون أنهم بدأوا فعليا بتطبيق الاتفاق عبر سحب الأسلحة الثقيلة من جبهات القتال. إلا أنهم يواصلون إطلاق الصواريخ على بعد أربعة كيلومترات من المدينة، وفق ما ذكرت مصادر صحافية من دون أن تحدد هدف الصواريخ. ومن جهتهما، أكد وزيرا خارجية بريطانيا وإسبانيا أن الحل في أوكرانيا لن يكون سوى بالحوار وليس بالتدخل العسكري لمساعدة القوات الأوكرانية. وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل غارسيا، في مدريد «نحن متفقون على أنه لا يمكننا السماح للجيش الأوكراني بالانهيار، ولكني أعتقد أننا ما زلنا بمنأى عن ذلك في الوقت الحالي، ولذلك لن تغير المملكة المتحدة موقفها من تقديم المساعدات الفتاكة». وأكد هاموند أن مسألة تسليح الجيش الأوكراني «تخص كل دولة على حدة وليست قضية الاتحاد الأوروبي أو حلف الأطلسي». ودعا الوزير الإسباني إلى «حوار صريح ومفتوح»، طالبا من روسيا احترام «سلامة الأراضي الأوكرانية». بدوره، قال الرئيس الأوكراني لدى افتتاح اجتماع لمجلس الأمن الوطني والدفاع خصص لمسألة الانسحاب من ديبالتسيفي «نعتبر وجود قوة شرطية للاتحاد الأوروبي أفضل خيار لضمان الأمن في وضع لا تحترم فيه روسيا ولا من تدعمهم اتفاق وقف إطلاق النار». وأضاف بوروشينكو «بعد القرار الذي آمل أن يتم اعتماده اليوم، سنجري مشاورات رسمية مع شركائنا الأجانب» في هذا الصدد. وأوضح أنه تطرق إلى الأمر أثناء مفاوضات السلام التي جرت في مينسك مع قادة ألمانيا وفرنسا وروسيا قبل أسبوع والتي أثمرت الهدنة الحالية. لكن دينيس بوشيلين، المسؤول الانفصالي الرفيع في دونيتسك، رفض أمس طلب كييف. ونقلت وكالة «إنترفاكس» عنه قوله في هذا الصدد إن هذا الطلب «يشكل انتهاكا لاتفاقات مينسك»، ودعا قادة روسيا وألمانيا وفرنسا إلى «إعادة وضع أوكرانيا على سكة السلام». واعتبر أن السيطرة على الحدود بين أوكرانيا وروسيا، التي يقول الغرب إنها معبر لتمرير السلاح لانفصاليين، يجب أن تكون محل وساطة بعد تنظيم انتخابات محلية في الشرق وإجراء إصلاحات دستورية في كييف. وانضمت موسكو إلى موقف الانفصاليين متهمة بوروشينكو بـ«تدمير اتفاقات مينسك» عبر المطالبة بقوة حفظ سلام، بحسب مندوب موسكو لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين. أما واشنطن فبدت متفائلة، إذ قال وزير خارجيتها جون كيري خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أول من أمس، إن اتفاق وقف إطلاق النار «لم يمت». وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر بساكي إن كيري حض لافروف على وضع حد لهجمات الانفصاليين في ديبالتسيفي ولخروقات أخرى لوقف إطلاق النار، كما على ضمان وصول مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وأشارت إلى أن «عدد الهجمات وقوتها انخفض» في الأيام الماضية و«هناك معلومات عن سحب بعض أنواع الأسلحة الثقيلة من أنحاء مختلفة في دونيتسك ولوغانسك». وتمكن 2500 جندي أوكراني من الانسحاب من ديبالتسيفي التي يطوقها الانفصاليون منذ أسابيع بشكل شبه كامل. وفي حين تؤكد كييف انسحاب 80 في المائة من جنودها، كان إطلاق الصواريخ من نوع «غراد» مستمرا أمس حول المدينة. ودان الاتحاد الأوروبي أول من أمس «الانتهاك الواضح لوقف إطلاق النار» من قبل الانفصاليين في ديبالتسيفي. وقالت منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد فيديريكا موغيريني إن «أفعال الانفصاليين المدعومين من روسيا في ديبالتسيفي تشكل انتهاكا واضحا لوقف إطلاق النار». كما اعتبرت باريس أن اتفاق مينسك الذي تضمن وقفا لإطلاق النار «لم ينته»، مؤكدة أنه سيتم بذل كل الجهود لإحيائه. وأشار متحدث باسم الحكومة الفرنسية إلى «تقدم» في مناطق أخرى للنزاع. ميدانيا، أعلن الجيش الأوكراني أن مواقع جنوده تعرضت لما لا يقل عن 46 هجوما خلال الليلة قبل الماضية. كما تم تبادل قصف مدفعي حول بلدة بسيكي الخاضعة لسيطرة الجيش الأوكراني وتقع شمال منطقة دونيتسك الانفصالية. وسمع دوي قذائف مدفعية من دونيتسك صباح أمس، بحسب مراسلين في المكان. وكان متوقعا أن تصل قافلة مساعدات إنسانية من ست آليات تابعة للأمم المتحدة أمس إلى دونيتسك، وهي الأولى التي تصل إلى معقل المتمردين الموالين لروسيا في الشرق الأوكراني. وفي وقت لاحق، أعلن مدير شركة «غازبروم» الروسية، الكسي ميلر، أمس، أن شركته بدأت تزويد المناطق الانفصالية بالغاز. وقال في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء الروسية «منذ الساعة الرابعة بعد الظهر في 19 فبراير (شباط)، تبدأ (غازبروم) تسليم 12 مليون متر مكعب يوميا من الغاز إلى أوكرانيا، بما في ذلك عبر محطتي بروخوروفكا وبلاتوفو»، وهما نقطتا دخول الغاز الروسي إلى أوكرانيا، إحداهما في دونيتسك والأخرى في لوغانسك.